السبت، 20 أكتوبر 2012

دموع أم على الخادمة!!! ( قصة قصيرة بقلمى )

 
دخلَ الأستاذ سامح منزل تلميذه الثرى المدلل ( سولى )

والمُطل على نهر النيل ، واستقبلتْه الخادمة ( أم على )

والتى تظهرُ ملامحُها أنها تخطتْ الأربعين مِن عمرها رغم

أنها لم تتجاوز ال28عاماً ؛ وذلك مِن قسوة الزمن الذى تركَ

آثاره على وجهها ، ثم قالت :

سيدى سولى مازال يتناولُ إفطاره ؛ لأنه قد استيقظ الآن

وسيحضرُ للحصة بعد قليل ....

فتعجّبَ الاستاذ لأننا وقت العصر ، ونظرَ الأستاذ مِن الشرفة

يسلّى نفسه ؛ لحين حضور تلميذه المدلل ، فرأى العشّاق الذين

التفوا حول شاطئ نهر النيل يتناجون الغرام ،ويعيشون لحظاتٍ

مِن الخيال الممتزج بالأوهام ، وتمنّى لو يطولُ غياب تلميذه

والتفت يساراً ؛ ليرى الأهرامات الشامخة إحدى عجائب الدنيا

السبع ؛ شاهدةً على عصر السُخرة والاستبداد مِن الملوك للفقراء

ثم التفت يميناً ؛ ليرى قلعة البطل العراقى (صلاح الدين الأيوبى)

الذى قهر الصليبيين ، وتجسّدَ له تاريخُ أمته قديماً وحديثاً...


ثم دخلتْ الهانم أم تلميذه بسيجارتها التى أفسدتْ هواء الغرفة

وقالت بلكنةٍ متكبرةٍ :

ها يا أستاذ كيف حال ابنى معك ؟

فردّ الأستاذ بشكلٍ رسمىٍّ يخفى غيظه من غطرستها :

مستواه متوسط ، ولكنه لم يذهبْ للمدرسة منذ أسبوع!!

فعقبتْ الهانم وهى ترنو إعجاباً بوسامة ذلك الأستاذ :

نعم أعلمُ ذلك حيث أنّ المدرسة تضيع يومه ، وأنا أعوضه

بالدروس الخصوصية ؛ فيصبح يومه طويلاً ؛ ليذهبَ للنادى

بسيارته الجديدة مع أصحابه ، ويعيش حياته دون حرمان...



وهنا دخل ابنها سولى برفاهيته التى تغيظ كل مَن حوله

ومازالتْ آثارُ النوم والكسل على عينيه ؛ ليقضىَ معه

الاستاذ ساعتين ، ففرح الأستاذ لتخلُّصه مِن حوارها الممل

وعيونها التى خلتْ مِن الحياء الأنثوىِّ الجميل ، ثم هطل

المطرُ بغزارةٍ ، وفى منتصف الوقت أحضرتْ أم على عصير

المانجو ، ثم استأذنتْ للذهاب لمنزلها ، وانتهى الدرس ، ونزلَ

الأستاذ للشارع ، فإذا أم على الخادمة مازالتْ واقفةً فى موقف

السيارات ،فاندهش قليلاً لرؤيتها ، لكنه ركب سيارةً خاصة

(ميكروباس) ، وركبتْ وراءه أم على الخادمة ، وجلستْ

بجواره شاردةً ، كأنها لم تره ، ونوافذ السيارة مغلقةً ؛ تفادياً

مِن المطر ، وخيّم الصمتُ دقائق ، وكأننا خشب مسنّدةً ، بل

موتى فى قبر جماعىٍّ كئيبٍ ، حتى قطعَ السائق صمتنا الرهيب

وفتحَ مذياع السيارة ؛ فانبعث صوتُ أم كلثوم الجميل ، فكانتْ

أغنية ( سهران لوحدى ) وتفجّرتْ الذكرياتُ الحزينة مع

الراكبين ، وهاموا مع مطلع الكلمات الشجية :

سهران لوحدى أناجى طيفك السارى

سابح فى وجدى و دمعى ع الخدود جارى

نام الوجود من حواليا و أنا ....سهرت فى دنياى

أشوف خيالك فى عنيه .......و أسمع كلامك ويايا

أتصور حالى... أيام وليالى.... مرت على بالى

وفوجئ الأستاذ بأم على والتى تجلس جواره ، وعيونها

مغرورقة بالدموع ، فسألها الاستاذ متأثراً:

ماذا يبكيكِ يا أم على؟!

فردتْ أم على :

بصراحة يا أستاذ أنا أعمل عند الهانم مِن العاشرة صباحاً

وحتى السادسة مساء ، وذلك بمبلغ 300جنيه فى الشهر يكفينى

بالكاد أنا وأولادى الثلاثة بعد أن طلقنى أبوهم ، وابتعدَ عن

حياتنا تماما ، واليوم ابنتى مريضة وطلبتُ من الهانم سلفةً

لتخصمَها مِن راتبى فى الشهر المقبل ؛ لأذهبَ بها للطبيب

ولكن الهانم رفضتْ ، والذى غاظنى أن الهانم عندها (قطة)

تربيها ، وتخافُ أنْ تلدَ ، وتملأ منزلها قططا فأحضرتْ لها

طبيبا ؛ ليجرىَ للقطة عملية جراحية لاستئصال الرحم فلا تلدُ

القطة أبداً ، وتكلفتْ هذه العملية أكثر مِن 600 جنيه مما يعنى

ضعف راتبى ، وإننى أظلُّ واقفة أكثر مِن ساعةٍ أنتظرُ السيارة

الحكومية الرخيصة (الأوتوبيس) ؛ لأوفرَ المال فلا يضيع راتبى

على المواصلات ، ولكن الأوتوبيس تأخّرلظروف المطر

فاضطررتُ لركوب تلك السيارة الخاصة ، والتى تفسد لى

ميزانيتى المالية ....

وهنا قال الأستاذ ، وقد تحرّكتْ داخله مشاعر الإنسانية المعذبة

بهموم غيرها : هونى عليكِ يا أم على فالله موجود ...

ثم تحدّث بالمحمول إلى أحد الأطباء الأصدقاء ؛ لينتظره

وذهبَ الثلاثة إلى حىٍّ شعبىٍّ امتلأ بكلّ مظاهر السوء

وانعدام كل الخدمات الانسانية ، حتى تمّ علاجُ ابنتها

وعاد لمنزله المتوسط ، وحمد الله - تعالى - شاكراً على أنه

مِن الطبقة المتوسطة ، وقد امتلأ شفقة على الخادمةأم على

الفقيرة ،وانفجرَ حقداً على الهانم الثرية المتغطرسة....

ولكنّ أحلامه الرومانسية تحولتْ إلى كوابيسَ مِن الأحزان

على تلك الخادمة ، ومَن فى ظروفها........

تمت بحمد الله
بقلمى
سمير البولاقى
ملحوظة : برجاء لكل من ينقل قصصى لمواقع أخرى ، بأن يكتب أسفلها كلمة ( منقول ) حتى لا يتعرض للإحراج ، لأننى أتابع أعمالى على كل مواقع البحث ، وأعمالى مسجلة فى المحاكم المصرية ، لضمان حفظ حقوقى الأدبية ، وللجميع تحياتى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق