الأربعاء، 27 يونيو 2012

وداعاً ياكلبى الوفى ( قصة قصيرة بقلمى )

انطلقَ صابر يقودُ سيارته بسرعةٍ كبيرةٍ بصحبة كلبه الوفىّ

(جو ) ؛ ليلحقَ موعدَ الحكم عليه فى محكمة الأحوال الشخصية

بالقاهرة فى قضية زيادة النفقة ، والتى أقامتها عليه زوجته

ومازالَ يقودُ شارداً ، ويلعنُ اليومَ الأسودَ الذى عرفها فيه

حتى اصطدمتْ سيارته بشاحنة لورى ، فانقلبتْ به سيارته

عدة انقلاباتٍ مدويّةٍ فقدَ الوعى على أثرها ، وقفزَ كلبُه جريحاً ..


وتحمّلَ الكلبُ على نفسه ، وظلّ يزحفُ جريحاً حتى اقتربَ

مِن صاحبه صابر الذ ى كان يحتضرُ وظل واجماً يستعيدُ

ذاكرته وكيف اشتراه صابر من سيدةٍ قاسيةٍ كانت تنسى كثيراً

موعد طعامه ، ولاتلتفتُ إلا لنفسها فقط ، حتى أصبحَ ملكاً لصابر

وكم شاهدَ الخلافات الزوجية المحتدمة بين صابر وزوجته

المادية المتسلطة ؛ بسبب مطالبها المادية التى لاتنتهى أبداً


حتى انتهى الأمرُ بينهما بالطلاق ...


حضرَ رجال الإسعاف وأخذوا فى محاولة إنقاذ صابر ، وعدم

المبالاة بعلاج كلبه الذى ينزفُ بغزارةٍ ، وعاودتْ الكلب ( جو )

ذكرياته مع صاحبه صابر بعد تطليقه لزوجته ، وكيف كان

يشكو همومه لصديق الطفولة الحميم ؛ فترتاح نفسُ صابر

بعض الشيئ ، حتى فاجأه صديقه بأنه مضطر للسفر إلى دول

الخليج ؛ للبحث عن زيادة دخله ؛ سعياً وراء المادة ، وتاركاً

صابر وحيداً فى مصر التى يعشقُ ترابها ، ولايتخيلُ أنْ يبعدَ

عنها يوماً واحداً مهما كانتْ الإغراءاتُ الماديّة .....


ومازال الأطباءُ يحاولون إسعاف صابر ، ويهيم الكلبُ فيتذكر

أنّ صاحبه صابر بعد طلاق زوجته ، وسفر صديق العمر

فالآن لم يعد له صديق غيرى أنا كلبه الوفى الذى أظل ساهراً

بجوار فراشه أحرسه من كل أنواع الشرور ، وأؤنس وحدته

فيناجينى واثقاً مِن إحساسى لما يريدُ ؛ فلاأعصى له أمراً ، وفى

الصباح يذهبُ لعمله ، فأصحبه فى سيارته ، ويتركنى ساعاتٍ

فلاأئن ولاأشكو ، وعندما يأتينى أحتضنه ، وكأننى طفلٌ ضالٌّ

قد عثرَ على أمه بعد حرمان ويأس شديد ....


أفاق صابر لحظاتٍ إثر محاولات التنفس الصناعى التى يجريها

الأطباء فى الشارع ، فينتعش الأمل عند كلبه ( جو ) الذى عادَ

لخياله الجامح ، وكيف مرّتْ الأيامُ ، وتوطدتْ فيه أواصرُ

الصداقة مع صاحبه ؛ لدرجة أنّ صابر كان يرسله لبائع الصحف


ليأتيَه بجريدة الصباح معلقة برقبته إلى فراشه ، ولن ينسى

الكلبُ ( جو ) عندما استيقظَ صابر مبكراً مع آذان الفجر

وبعد الصلاة اصطحبه معه ؛ ليسيرا على ضفاف النيل

فتأخر خطواتٍ عن صاحبه ؛ ليلهو بين الحدائق الخضراء

التى أحاطتْ بنهر النيل ؛ فى لحظاتٍ من النشوة الجميلة

مستمتعاً بنسمات الصباح الأولى التى غازلتْ وبر جسمه فردّ

التحية للنسمات مداعباً ذيله فى سرورٍ ، وقد خلا النيلُ من

المحبين فى هذا الوقت المبكر ، فلاتسمعُ إلا أزيز العصافير التى

استيقظتْ ساعية إلى رزقها ، وتمد بصركَ للنيل فتشاهد رجلاً

كهلاً وقد رمى شباكه مِن قاربه الصغير ، داعياً الله أنْ يرزقه

برزقٍ كبيرٍ مِن الأسماك ، ثم أفاقَ ولم يجدْ صاحبه صابر بجواره

فأسرع كالصاروخ حتى وجد صابر وقدأحاط به ثلاثة مِن

اللصوص ، وقد ظهرَ على ملامحهم كل آثار العدوان والمخدرات

وماهى ثوانى حتى ألقى بجسمه عليهم دون أى خوف أو تردد

وأراد أن يعقرَ أحدهم لولا أن اللصوص ارتعبوا منه وسارعوا

بالهرب ، فحضنه صاحبه صابر قائلا :

تيقنتُ اليوم أننى أمام أوفى صديق حميم ، نعم صديق يفديكَ

بعمره ولاترهبه السكاكين ولاكثرة الأعداء ، بل يلازمكَ أينما

تكون دون أى مطمع غير لقيماتٍ ألقيها له بين الحين والحين..


وظلتْ أنفاسُ صابر تتلاحق مسرعة ، وأحس بدنوّ أجله فنادى

كلبه (جو) يودعه وينظر له بعيونٍ أدمعها الفراق ، وبقلبٍ

احترقَ مِن قسوة الزمان وغدر الناس ، ثم تهادتْ روحُ صابر

صاعدةً إلى بارئها ، فابتعدَ الأطباءُ واقتربَ الكلبُ ( جو )

من صاحبه يحتضنه وينوح عليه ناسياً جرحه النازف حتى

مات هو الآخر فى حضن صاحبه ......

تمت بحمد الله
بقلمى
سمير البولاقى

ملحوظة : برجاء لكل من ينقل قصصى لمنتديات أخرى ، بأن يكتب أسفلها كلمة ( منقول ) حتى لا يتعرض للإحراج ، لأننى أتابع أعمالى على كل مواقع البحث ، وأعمالى مسجلة بكل الطرق القانونية ، لضمان حفظ حقوقى الأدبية ، وللجميع تحياتى...