الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

تصور إنى بقول أنا بحبك ( قصة قصيرة بقلمى)



يوليو 1986 :

خرج ( سالم ) من مبنى جامعة القاهرة لآخر مرة بعد


 نجاحه ، وحصوله على ليسانس الآداب ، وقد

 اصطحب زميلته وحبيبته ( إلهام ) ليحتفلا

 بنجاحهما ، واتجها لحديقة الحيوان المواجهة 

للجامعة ، حيث تعودا الجلوس هناك ، فلاتسمع إلا 

صراخُ قرد لأنثاه ، أو مداعبة عصفور لأليفته 

 أو ضحكة أطفال بريئة يداعبون الحيوانات ...

 وقد طال صمت الشفاه ، وتحدثت العيون وباحت

 بسر العشق المكنون ، حتى قطعت ( إلهام ) حوار

 العيون ، وشدت بصوتها العذب الجميل مقطعاً

 من أغنية ( شادية )، وترنمت البلابل حولها 

 وعزفتْ الطبيعة معها لحن الحب الجميل 

وهى تردد ذلك السطر من الأغنية :

 ( تصور .. تصور .. إنى بقول .. أنا بحبك ..

 للناس .. للهوا .. لنجوم السما ) .. وفى عز اندماج

 روحه مع صوتها والكلمات بادرته (إلهام ) :

 حبيبى : لم يعد لك بعد تخرجك عذر لتخطبنى   

وكأنما أفاق مِن حلم جميل على واقع مرير.

- كيف أتزوج ولازال أمامى أكثر مِن خمس سنوات

 لأؤسس بيتاً لنا ؟


- لكن أهلى أتوا لى بعريس ليس لى عذر فى

 رفضه ، ولن تسمح لى عائلتى بالانتظار خمس سنوات

 ؛ لأنَّ تقاليدَنا تقضى بالزواج المبكر للفتاة ....

 واشتدَّ الجدالُ بينهما ، وضاعت همساتُ الحب، وعلا

 صياحُ الغضب ، فودَّعها متمنياً لها السعادة 

مع غيره ، ثم عرف بعد شهور من فراقهما من 

صديقة لهما بأنها تزوجت ، فتحول غضبه لحزن

 صامت يسكن قلبه الجريح...

القاهرة 2001 :

وبينما كان سالم فى حفل زفاف لقريب له ، إذا به 

يشاهد بالصدفة فتاته ( إلهام ) حيث ظلت على 

جمالها القديم ، ولم تفقد شيئاً من جمالها القديم 

 ولازال بريقُ عينها العسلىّ البريئ يسحرُ روحه

، فترك الحفلَ وجلسا بركن بعيد ، وعرف

 أنها أصبحت أرملة ، وأنها تعرضت لحادث


 مأساوىّ مع زوجها فى السيارة ، وكانت وقتها 

حبلى تنتظرُ جنينها ، وأن الحادث اسفر عن

 وفاة زوجها ، وإجهاضها بل وحرمانها من 

الإنجاب باقى حياتها ، فبكى لحالها ، واسترجعا 

حبهما وذكرياتهما القديمة ، وظلا يتلاقيان عدة

 شهور فى نفس حديقة الحيوان المواجهة

 للجامعة  ، وكانت أقصى سعادته أن تغنى

 له نفس المقطع القديم من أغنية شادية :

 ( تصور ..تصور .. إنى بقول

 .. أنا بحبك .. للناس .. للهوا .. لنجوم السما) 


 ثم حانت نفسُ اللحظة القديمة ؛ بأنْ طلبتْ منه

 أن يتقدمَ للزواج منعاً لكلام الناس ، وتتويجاً

 لقصة حبهما ، وهنا أفاق (سالم) من

حلمه الجميل على نفس الواقع المرير


 بعد خمسة عشرَ عاماً ، وتحدثت عيونه

 الدامعة التى نافست دقاتُ قلبه المضطربة

 والمتسارعة : - حبيبتى : دائماً قدرنا ضد


 مانتمناه ، أنا أحبكِ بجنون ولكن :

 أنا الآن رجل متزوج وليس تلك مشكلتى

 بل إننى أنجبتُ أربعَ بنات ، ومِن الصعب

 أنْ أتركَهنَّ لأعيشَ معكِِ ..
 
 فابتسمتْ (إلهام ) بسخرية ومرارة ، وتركتْ

 الحديقة يشيعُها زئير الأسد الغاضب الذى 

حرموه مِن أنثاه فظل يعانى الوحدة

 والأحزان ....

القاهرة 2015 :

استعدَّ ( سالم) لزفاف إحدى بناته الليلة ، وقد شارف

 الخمسين مِن عمره ، وشاب شعرُه بينما قلبُه

 لازال شاباً يحترقُ بوقود الحب ، ويتألم لفراق 

حبيبة العمر ، وبينما تعزف الموسيقا

الصاخبة إعلاناً بدخول العروسين للقاعة 

وسط الزغاريد كان هو مشغول البال 

وشارداً كعادته ، وقد مر أكثر من

 خمسة وعشرين عاماً ، وهو لايقدرُ على

 النوم إلا بدواء مخدر يتمثلُ فى سماع ذلك

 المقطع لشادية : ( تصور ..تصور .. إنى بقول ..

 أنا بحبك .. للناس .. للهوا .. لنجوم السما )

 وإذا به يسمع ذلك الصوت الذى لاينساه

 أبداً يناديه ، نعم هوصوت حبيبته إلهام

  فنظر لوجهها ، وقد ارتدت نقاباً غطى وجهها

 إلاعيونها العسلية البراقة ، وبادرته بضحكة 

هامسة على حياء:

 تمرُّ السنواتُ وأنتَ كما أنتَ محافظاً 


على وسامتكَ وشبابك رغم أنك ستكون

 جداً بعد شهور ، فقال كالمغيب : أريدُ

 أنْ تغنى لى ذلك المقطع لشادية .... ردت

 بسخرية : أو لازلتَ تتذكر ذلك ؟

أنتَ أصبحتَ شيخاً كبيراً لكنك بنفس


 طفولتك الرومانسية لم تتغير طباعك مثلما

 لم يتغير فيكَ إلا شاربك الذى ربيته بعد ...

وظل سالم يلحُّ على غنائها ، وهى تتهمه 

بالجنون فى حفل ابنته ، ثم صرحت له 

بأنها تغيرت كلياً وماعادت تسمع الأغانى

 لأنها - برأيها - حرام ، ومن فعل الشيطان

ثم استاذنته وذهبت ، فأحسَّ أنها

 ليست هى حبيبته القديمة ، بل شخص آخر

 يتظاهر بتدينه هرباً من أحزان عمره 

 واحتار : هل يلومُ نفسه ؛ لأنه

هو الذى أوصلها لذلك لما خذلها مرتين


 بعدم الزواج منها رغم حبه الجنونى لها ؟

 أم يلوم الاقدار لأنها هى التى سببت

تلك الظروف التى حالت دون زواجه منها 

 وانتهى حفل الزفاف

وودع ابنته باكياً لبيتها الجديد 


 وعاد لفراشه حزيناً يغنى لنفسه كالمعتاد

 ذلك المقطع لشادية : ( تصور ..تصور ..

 إنى بقول .. أنا بحبك .. للناس .. للهوا ..

 لنجوم السما ) ...

- انتهت بحمد الله - 
بقلمى :
سمير البولاقى
القاهرة
الأربعاء 5 أغسطس 2015



ملحوظة :أهدى تلك القصة للسيدة ( e ) وأرجو ممن ينقل

 قصصى لأى موقع آخر بأن يكتب فيها أسمى

 أو يكتب منقول لأن قصصى مسجلة بكل الطرق 
القانونية وتحياتى للجميع ...

الجمعة، 27 مارس 2015

أحزان البرنسيسة هيام (قصة قصيرة بقلمى )



غادرت (هيام) أسبانيا عائدة إلى القاهرة

قبل نهاية رحلتها السياحية بيوم واحد

 لظروف الطيران بعد أن قضت أسبوعاً

هناك لوحدها بعدما تعلل زوجُها رجل الأعمال

 بمشاغل عمله الكثيرة وعدم قدرته على

الذهاب معها هذه المرة ، وجرت متلهفة على

منزلها ؛ لتفاجئَ زوجَها بهديتها وقد ملأها

الشوقُ الكبير والحنينُ الجميل له ...

**********

وعدما دخلت غرفتها تفاجآت بخادمتها

فى أحضان زوجها على فراشها وقد أخذتها

المفاجأة وصعقتها الصدمة المدوية ، فى حين

أسرعَ زوجها وبكل هدوء بإخراج ورقة رسمية

تفيد بأنه قد تزوَّج الخادمة على سُنة الله

ورسوله وأنه لم يرتكبْ أى فاحشة ؛ لأنَّ

الله تعالى قد حلل تعدُّد الزواج للرجل ، فلم

تملكْ (هيام ) إلا أنْ تبصقَ على الأرض

وتغادرَ منزلها متجهة لمنزل عائلتها ...


**********

وفى الطريق : وقد أظلمَ الكونُ الشتوىُّ البارد ،

وامتلأت السماءُ بالسحب والغيوم ، وكأنَّ

الطبيعة تتآمرُ على الكون ، وتخنقه بلا رحمة

فيبدو وقد غابت عنه الشمسُ كعجوز يحتضرُ

 وحيداً ، ثم أخذت ( هيام ) تتذكرُ ظروفَ زواجها

من ( عامر بك ) ابن عم والدها حيث ينتميان

إلى سلالة الملك فاروق ، وكيف كانت الفتياتُ

يتنافسن على الزواج من هذا الرجل الثرى الذى

عاد لمصر بعد إنهاء دراسته بجامعة كمبريدج

ببريطانيا ، وكيف باركتْ العائلة هذا الزواج الذى

 يدعم الميراث ويزيد من التحام المشاريع

المشتركة بين أبناء العم ، وكيف مرت الأيامُ

بينهما فى قصة حب كبيرة عنيفة ، ولكن للأسف

 بعد مرور السنوات لم تنجبْ هيام ، وقال الأطباءُ

بأنّ السببَ مِن زوجها وليس منها هى ، ومع

ذلك : فقد تحملتْ ( هيام ) حرمانها مِن عاطفة

 الأمومة ، وصبَّتْ كل مخزونها من الحب الأنثوىِّ

لهذا الزوج وحده ، واعتبرته كل عالمها ، ولم

تشعرْه لحظة واحدة بأنها مستاءة لحرمانها

  بسببه مِن الأمومة حتى مرور خمس وعشرين

عاماً على زواجها منه ...


**********

ولما وصلتْ لمنزل عائلتها ، وطلبتْ مِن أخيها أنْ

يسعى فى طلاقها من هذا الرجل الذى صدمها

صدمة العمر ، ولكنَّ أخاها رفض فكرة الطلاق ،

حيث إنَّ تقاليدَ عائلتهم العريقة التى تمتدُّ للجذور

 الملكية لايصحُّ فيها فكرة الطلاق ، وكذلك : فإنَّ

 هذا الطلاقَ سيتسببُ عنه فكُّ وحل

للمشروعات المشتركة بين العائلتين ...

ولما يئستْ ( هيام ) من تحقيق الطلاق تركتْ

الإسكندرية مسقط راسها ورحلتْ للقاهرة

وحدها ؛ لتستأجرَ شقة خاصة أمام الأهرامات

ودفنتْ أحزانها مع وحدتها القاتلة المريرة ....


**********

وبعد فترة : زارتها صديقة عمرها ؛ لتطمئنَ عليها

 وقد تفاجأتْ بأنَّ منزلَ  هيام بالقاهرة قد أضحى

قبراً مغلقاً على صاحبته ، حتى نوافذ المنزل

كلها قد باتت مغلقة من زمن ، وأن الهواء لم يعد

يدخل منزلها ، وكذلك احتجبت الشمسُ عن

المرور بأشعتها لغرف البيت الخانق . وزاد من

دهشتها أنَّ ( هيام ) لاتسمحُ لأى كائن

بمشاركتها فى وحدتها الجديدة غير القط

مشمش ، وأن هيام لاتغادرُ منزلها أبدا بل

 تقبعُ فيه كل الوقت ، وتكتفى بإرسال حارس

المنزل لشراء الطلبات اللازمة للبيت ، وقد زاد

 وزنُها بشكل ملحوظ ، وباتت نظراتُ عيونها

ممتلئة بالحزن الغاضب الساكن ، وقد علاه حقدٌ

رهيبٌ وكراهية عمياء لكل شيئ حولها إلا قطها

مشمش الذى تستأثره بالحديث والرعاية ...

ثم أذن لصلاة الظهر ، فأرادت صديقتها أنْ تصلىَ

 وقد دعت هيام لتشاركَها الصلاة ؛ حتى تخرجها

من حالة الاكتئاب التى أطاحت بنفسيتها ، ولكن

( هيام ) التى كتمتْ أحزانها الصامتة شهوراً

قد صاحت بهستيريا مندفعة كجواد بلالجام

وقالت : لن أصلىَ يا صديقة ؛ لأن الله صدمنى

فى أحب الناس لقلبى ، نعم لن أصلىَ

؛ لأنَّ زوجى عندما خاننى فى حضن الخادمة

استندَ فى رغبته الجسدية الحيوانية لكلام الله

فى تحليل تعدد الزواج ، فى حين أنه أبعدُ الناس

 عن الله ، ثم انفجرتْ ( هيام ) فى البكاء وصمتت

 طويلاً، وعبثاً حاولتْ صديقتها أنْ تهدئها وتذكرَها

بأن ماحدث لها ابتلاء مِن الله تعالى ، وأنَّ عليها

الصبر ، وأنَّ الله تعالى سيثيبُها على صبرها 

 الجميل ، وأخذت تدعو لهيام بالهداية والصبر ،

 ثم حضنتها وهى تقرأ قولَ الله تعالى :

 (وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضرُّ وأنت

أرحم الراحمين )

-        تمت بحمد الله
   
بقلمى

سمير البولاقى
الجمعة 27مارس2015

ملحوظة :أهدى تلك القصة لصديقتى السيدة( h )

وأرجو ممن ينقل قصصى لأى موقع آخر بأن

يكتب فيها أسمى أو يكتب منقول لأن قصصى

 
مسجلة بكل الطرق القانونية وتحياتى للجميع