الثلاثاء، 19 يناير 2016

( تزوجتُ الناظرة العجوز ) ( قصة قصيرة بقلمى ) :

 
خرج الأستاذ ( عبد المتجلى ) من مدرسته

التى يعمل بها
ظهرا ، متجهاً لعمله المسائى

بشركته الخاصة لقطع غيار
السيارات ، وفضل

أن يقضى الساعة على المقهى بدلا من

الغداء بالبيت مع زوجته المتسلطة ، واحتسى

الشيشة ؛ ليخرج الدخان من فمه ممتلئا

بالآهات وزفرات الأحزان ، فيتذكر المرحلة

الأولى من حياته ويناجى نفسه :

كان أبى تاجرا ثريا وكنتُ ولده الوحيد مع

شقيقاتى البنات ، فكان يخاف علىَّ من رفاق

السوء ، فأبعدنى عن الناس وأحفظنى القرآن

الكريم ، وحرص على تعليمى وتفوقى

الدراسى ؛ لأكون موظفا بالحكومة رغم ثرائنا

وعدم حاجتنا للوظيفة ، وفى المساء
 
 يصحبنى معه لشركته التى ورثتها عنه 
 
ليعلمنى أصول التجارة ، حتى مرت الأيام
 
 وكبرتُ وتخرجتُ فى الجامعة ؛ وعملتُ معلماً
 
 بإحدى مدارس الحى ، وفى المساء أذهب
 
 لأدير شركة والدى كما أراد وخطط لى 
 
 وماكان لى أى صديق أفضفض له بمكنون
 
 صدرى ، أو أستفيد من تجاربه ، حتى فوجئتُ
 
 بوالدى يخبرنى بأنه قد خطب لى ابنة خالى
 
 ( زينب) ، ودون أن يستشيرنى ، رغم أنى
 
 أشعر بأنها مثل أختى ، ولاأحس بأى مشاعر
 
 تجاهها ، ولكنى صدعتُ لأمر والدى كما
 
تعودتُ دوماً ...


*********

انتهى حجر الشيشة وأفاق (عبد المتجلى)

على نهاية الدخان فغادر
المقهى متجهاً

لشركته ، وفى الطريق عادت أفكاره تطارده

وتناجى نفسه الحزينة مرة أخرى فيتذكر

المرحلة الثانية من حياته :

ذهبتُ أجمع إيجارات المنازل التى نملكها

فكانت هناك أسرة
تسكن حديثا ، ولديهم فتاة

مارأيتُ مثلها أبداً فى الجمال ، فهى بحق

أجمل فتاة رأيتها بالحى ، واسمها (زينات)

فسحرنى جمالها ، وظللتُ أتحجج بكل الحجج

لأراها كل يوم ، وأهلها كل حلمهم

أن يتزوج ثرى مثلى ابنتهم الفقيرة الجاهلة

التى لاتملك إلا جمال وجهها فقط ، حتى

أصبحتُ مفتونا بها ، فمثلى لم يتحدث من قبل

مع فتاة بحياتى إلا مع بنات العائلة فقط حتى

قررتُ أن أعصى أبى ، وأن أفسخ خطوبتى

بابنة خالى (زينب ) وعجز أبى عن إقناعى

حتى تزوجتها رغم تحذير أبى التاجر الخبير

بالدنيا من أن تلك الفتاة من أسرة قليلة
 
الأصل ، ومرت خمس سنوات أنجبتُ منها
 
 طفلين ، نعم خمس سنوات من العذاب
 
 والشك وقلة الراحة ، فلقد كانت (زينات )
 
 متسلطة عنيفة خبيرة بالحياة ، وتشعرنى
 
 دوما بأنها كنز ماكان لمثلى

أن يحلم بالزواج منها ، وأن كل رجال العالم

هاموا بها غراما ، فتحولت حياتى معها لجحيم

لايطاق ، وتمنيت لو أتخلص منها وأطلقها

حتى أولادى الصغار أصبحوا يتلفظون بألألفاظ

السوقية
التى تعلموها من أمهم الجاهلة

وأهلها السوقة ، وبدأتُ أهرب دوما من البيت


***********
 
وصل (عبد المتجلى ) لمكتبه بشركته الخاصة

وكان العمل اليوم خفيفا
، وعاودته الأفكار

والمناجاة ؛ ليتذكر من أيام مضت تلك الناظرة

الجديدة
التى تولت الادارة بالمدرسة :

إنها الأستاذة ( نفيسة ) ناظرة المدرسة

وهى امرأة عجوز وأرملة
، توفى زوجها منذ

عشر سنوات ، وترك لها بنتا أحسنت تربيتها

وتعليمها ، حتى تخرجت وتزوجت وأنجبت
 
طفلاً ؛ لتصبح الأستاذة ( نفسية ) جدة لحفيد
 
  وقد أصبحت فى الثامنة والخمسين من
 
 عمرها ، ومع ذلك : فهى سيدة عظيمة
 
 يتمناها كل رجل ، ولاتشعر بعمرها الكبير من
 
 رشاقتها ، وروحها الجميلة ، ونشاطها بالعمل
 
  وأسلوبها الرقيق ، ونضج عقلها ، حتى
 
بعلاقتها مع مرؤوسيها تشعر بحنانها الأمومى
 
  وصداقتها لمن يعملون معها ، وخصوصاً
 
 رقتها المتميزة معى ، رغم أنها تكبرنى
 
  باثنين وعشرين عاماً ، حيث لم

أتجاوز السادسة والثلاثين بعد من عمرى

ومع ذلك لاتجد عندها غطرسة الرؤساء

وكلما تحدثت اليها تمنيتُ لو يطول الحديث

بيننا ، وأشعر بنفسى طائرة تحلق بلا أجنحة

وكلما سمعتُ صوتها أحس بخفقان قلبى

وأفرح كلما رأيتها ، فأنا ما ذقتُ الحب بحياتى

أبدا ، وما رأيته إلا بافلام السينما فقط ، و لما

خطبت ابنة خالى ( زينب ) بناء على رغبة

والدى كنتُ أحس وقتها أنى أجالس شقيقتى

بلا مشاعر حقيقية، وحتى لما تزوجتُ (زينات)

كنت مفتونا بجمالها ،ولم يخفق قلبى

لروحها أبدا .....

******
ثم أفاق (عبد المتجلى)على صوت المحمول

وإذا صوت الناظرة
تسأله بصوتها العذب عن

قطع غيار لسيارتها التى توقفت ، فدعاها

للمجيئ بمكتبه ؛ ليعطيها بديلاً صالحاً
 
وحضرتْ سريعاً ، فتلألأت عيناه لنور بسمتها 
 
 وتعطلت لغة الكلام ، وتحدثت العيون بما
 
لايقال ، وقد نسى كلاهما الفوارق العمرية 
 
 ففاجأته (نفيسة): قل بلسانك ماتقوله
 
 عيونك ، فقال :

أحبكِ وكفى ، فابتسمت بنظرة الرضا ، كمن

كان يتلهف
لسماعها ، وتعاهدا على الوفاء

والسعادة ، وبدأت ثورة (عبد المتجلى) فى

التمرد الثانى بحياته على زوجته (زينات)
 
 حتى توقف الحوار بينهما ؛ ليطلقها (عبد 
 
المتجلى) ، ويتعهد هو بتربية الطفلين ؛لتتزوج
 
 هى رجلا ثريا غيره .... ولكن ( عبد المتجلى )
 
 أيقن آخيراً معنى السعادة ، ولن يضحى بها 
 
 وقد ظلل الحب الجميل بينه وبين الناظرة
 
 العجوز ( نفيسة ) ولتذهب تقاليد وأعراف
 
 المجتمع للجحيم ، فمن أراد السعادة  لايبالى
 
 بكلام الناس ، بل يسمع وفقط لنداء قلبه ....

......... - تمت بحمد الله - ........

بقلمى :
سمير البولاقى
القاهرة
الثلاثاء 19 يناير 2016



ملحوظة :أهدى تلك القصة لزميلى ( a ) وأرجو ممن ينقل
قصصى لأى موقع آخر بأن يكتب فيها أسمى
أو يكتب منقول لأن قصصى مسجلة بكل الطرق
القانونية وتحياتى للجميع ...
__________________