الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

مأساة مياسه العراقية ( قصة قصيرة بقلمى )

ساد السكونُ الكئيبُ منزلَ الحاج حيدربالقاهرة ..

إنه ذاك التاجر العراقى الذى غدر به القدرُ ..

فكانتْ لعنة الغزوِّ التترىّ على العراق ، وما قامَ

به هولاكو العصر الحديث السفاح بوش

فتذكَّرَ حيدر منزله الجميل هناك فى مدينته

( العمارة ) وسطَ عشيرته وأهله ، وكيفَ دكَّتْ

تلك الحربُ المسعورة منازلَ أهله ، فراحَ ضحيتها

ابنُ عمه وشقيقه ، ثمَّ كانَ الحزنُ الأكبرُ فى

استشهادِ ابنه الشاب حسين ، فغادرَ بلادَه مضطراً

للحفاظ على ابنته الوحيدة ( مياسه ) التى تدرسُ

الآن فى جامعة القاهرة ، وأصبح الدمعُ صديقاً

لايفارقُه ، وأضحتْ الهمومُ والأحزانُ ضيوفاً

مقيمين دوماً بقلبه ، ويعجزُ أنْ يطردَهم .....

ومازالتْ ابنته الحزينة مياسه تذهبُ يومياً لجامعة

القاهرة ، وتشعرُ بالغربة رغمَ جمالِ مصرَ

وفى مكتبة الجامعة دخلتْ ؛ لتسلِّىَ نفسَها

المهمومة بالقراءة عن تاريخ بلادها المجيد ، فإذا

بشابٍ يبحثُ عن نفس الكتاب ، فأرادَ أنْ يستأذنَها

لعمل بحثٍ هامٍ عن العراق ، وعرفتْ من لهجته

أنَّه عراقى مثلها ، ووجدتْ فى ملامحه صورة

أخيها الذى فقدتْه ، ووجدَ فيها صورة بلاده

التى رحلَ عنها ، ولازمتْه مرارة الحنينِ منذُ

فارقَ أرضها ، فابتسم قائلاً :

اسمى حسن من بغداد ، أعملُ مترجماً ، وأدرسُ

بالماجستير ...

فردتْ بابتسامة مجاملة :-

وأنا مياسه من محافظة ميسان ، وطالبة جامعية

واستطال الحديثُ بينهما ، وكأنهما يعرفانِ

بعضَهما من سنواتٍ بعيدة ....

وتوالتْ الأيامُ ، وازداد التعلقُ بينهما ، وكلما

قابلها ، نظرَ لوجهها الصافىّ ، وهاله عيناها

العراقيتان الواسعتان الجميلتان ، فنسى غربته

ونظرَ إلى النيل ، وتخيَّل أنَّه الفراتُ الجميل

وبدأتْ الابتسامة البعيدة تعودُ لتلك النفسِ

المكلومة ، فارتوتْ بعطر الحب الجميل

وتعاهدا على الزواج ، وبالفعل حدَّد موعدا

مع والدها عم حيدر....

استقبلَ عم حيدر طلبَ الزواج بكل ترحابٍ

وفرحتْ زوجتُه فاطمة بأنْ وجدتْ شاباً عراقيا

فى الغربة تتوافرُ فيه الصفاتُ المرغوبة للزواج

من ابنتهم ، ولكن العم حيدر قالَ إنَّه لايستطيعُ أنْ

يزوجَ ابنته فى مصر ، وإنَّه لابدَّ له من الرجوع

لعشيرته وأهله ؛ لاستشارتهم ولابدَّ أنْ يكونَ

الزفافُ هناك فى مدينته بالعمارة وسط أهله

ليشاركوه فرحته ، وإلا كان هذا مأخذاً كبيراً

عليه ، وإنَّه سيصحبُ ابنته وزوجته للسفر

سريعاً للعراق ؛ ليُعِدَّ أمورَ الزفاف ، على أنْ

يَلحقَ بهم حسنُ بعد أسبوعٍ من سفرهم ، وأمام

مسجد سيد الشهداء الإمام الحسين بالقاهرة كان

الوداعُ بين الحبيبين ، وبكتْ مياسه ؛ لأنها لن ترى

حبيبها حسن لمدة أسبوع ، لكنه تماسكَ مؤكداً

بأنَّها مجرد أيامٍ قليلة ، وسيجمعُ الله شملهما ....

عاد عم حيدر إلى العراق ، ودخل منزله ، الذى

امتلأ بالعنكبوت والأحزان ، وتذكَّر ولده الشهيد

فدمعتْ عيناه ، فشاركتْه ابنته وزوجته البكاءَ

المريرَ ، ولكنَّه حاولَ أنْ يُتممَ زواج ابنته

بسرعةٍ حتى يعودَ بهم لمصر ، فإنََّه لنْ يتحملَ

البقاء ، فى نفس المكان الذى ضاع فيه أغلى

الأحباب ، وآهٍ من الأرض التى ارتوى زرعُها

بدماء الشهداء ، ودموع البؤساء المعذبين
....

وفى الصباح خرجتْ مياسه لشراء مستلزمات

الزفاف ، وحملتْ فستانَ الزفاف الأبيض ، وسطَ

فرحة أمها ، والتى تمنتْ أنْ تعيشَ حتى تراها

وهى تلبسُه فى حفل الزفاف ، وما هى لحظاتٌ

حتى امتدَّتْ يدُ الإرهاب الطائشة ، بوقوع انفجارٍ

قريبٍ منها فى الشارع المكتظ ، ووقع الجميعُ

بين صريعٍ وجريحٍ ، فهذا رجلٌ فقيرٌ خرجَ ساعياً

للرزقِ على أسرته ، وتلك امرأة بائسة خرجتْ

لتجلبَ الطعامَ لأطفالها ، ولكنَّ قلوب الشياطين

تحجرتْ ولم ترحمْ دموعَ طفل أو عجزَ مريضٍ

وامتلأتْ الأرضُ بالدماء العزيزة ، وراحتْ

مياسه فى إغماءةٍ طويلة ، وفى يدها فستانها

الأبيض الذى تحوَّل للون الأحمر...

أفاقتْ مياسه من إغماءتها فى المستشفى ؛ لتجدَ

أمها فاطمة وقد استشهدتْ بيد الإرهاب الغاشمة

وحاولتْ الوقوفَ ؛ لتسيرَ لقبر أمها ، فوجدتْ

أنَّ قدميها قد بُتِرتْ من أثر الانفجار ، ومازالَ

أبوها بجوارها يواسيها ، محاولاً الإمساكَ بدمعة

لم تطاوعْه ، ونزلتْ رغماً عنه حارة مؤلمة ...

ومرَّ أسبوعٌ ، وحسن مازال يتصلُ بمحمولها من

مصر ، وهى لاتردُّ عليه ، وأبوها يحثها على

الرد ولكنها قالت :

يا أبى أصبحَ قدرى أنْ اجلسَ على ذاك المقعد

المتحرك ، ولنْ أكونَ مجالاً لشفقة حسن ، ولقد

حانتْ لحظة الفراق ، ولكننى لنْ أجعلَه يتذكرُنى

بل سأجعله يكرهُنى ؛ لينسانى بسرعةٍ ....

فطلبتْ من إحدى قريباتها أنْ تتصلَ بحسن

لتقولَ له بأنْ الزواجَ نصيبٌ ، وإنَّ مياسه تأسفُ

لعدم إتمام الزواج ، حيث ظهرَ رجلٌ آخرُ أفضل

منه مادياً ، وتتمنى له السعادة مع غيرها.....

وجلستْ مياسه على مقعدها المتحركُ ، ولاحتْ

صورة حسن ، وهما يجريان ويمرحان مرحَ

العُشاق البريئ حولَ حديقةٍ مطلةٍ على النيل

وأخذتْ تمحو عن عينها دمعة ملأتْ خدَّها

الرقيق ، فأمسكتْ بالمصحفِ تقرأ فيه ؛ لتتصبرَ

على ذاك البلاء العظيم....

تمت بحمد الله

بقلمى
سمير البولاقى
القاهرة
الاثنين 20 يوليو2009


الإهداء : أهدى تلك القصة لصديقتى العراقية ( m) شفاها الله ...وأرجو ممن ينقلُ قصصى لأى موقع آخر بأنْ يكتب أسفلها كلمة ( منقووول ) منعاً للإحراج ؛ لأنى أتابع قصصى فى كل المواقع ، وقصصى مسجلة بتاريخها بكل الطرق القانونية ...تحياتى للجميع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق