الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

حبيبتى ضابطة الجيش ( قصة قصيرة بقلمى)

دخلَ الأستاذ ( سالم ) - مدرس علم النفس -

كالمعتاد إلى هذا المنزل الذى يبدو فيه كل

شيئٍ منظماً بطريقةٍ رتيبةٍ وأخذ يعطى الدرسَ

الخصوصى لتلميذه الذى ارتسمتْ على

وجهه ملامحُ الخوف الدائم ، والرغبة فى


تنفيذ أوامر المعلم دون الاستعداد النفسىّ لها

ووقفتْ أمامه على الحائط صورة والد التلميذ

بزيه العسكرى الجاد ، حتى دقتْ الساعة

الثالثة عصراً....فإذا أم التلميذ وقد حضرتْ

مِن عملها ، وتعجّب لمنظرها الجاد


و ملبسها الذى أوضحَ له بأنها هى أيضاً

( ضابطة بالجيش المصرى ) ثم سألتْه عن

حال ابنها ، بينما هو لايخفى ابتسامته

المندهشة من زيّها العسكرى ، وقد ارتدتْه


امرأة، ولكنه تمالك نفسه بسبب ملامحها الجادة .....

ومرَّ أسبوعٌ ، وجاء موعدُ الدرس ، ولكن

فى هذه المرة كان تلميذه أكثر خوفاً عن ذى

قبل ، فعرف منه أنَّ أباه فى المنزل ، وأنه

يملأ البيت رعباً ، ثم مرتْ نصف ساعةٍ

وإذا بالأستاذ يسمعُ صراخا عنيفاً مِن

أم تلميذه ( ضابطة الجيش ) - ودون تنصتٍ -

فلقد سمعَ كل مايدورُ بسبب صوتهما العالى

واكتشف بأنَّ والد تلميذه يسبُّ أمه ، بل

ويضربُها ضرباً عنيفاً ، وكان التلميذ فى غاية

الحرج من معلمه ، فاضطرَّ الأستاذ ( سالم )

بأنْ ينهىَ الحصة مبكراً وخصوصاً مع هذا

الجو المشحون ، وابتعاداً عن بركان

الغضب الذى أشعله والدُ تلميذه ....

وعادَ لمنزله مندهشاً كيف لهذه المرأة ذات المكانة

الاجتماعية المرموقة بأنْ تُضرَب مِن الغير

أياً كان هذا الغير ، وتداعتْ فى ذهنه قضية

المرأة واضطهادها مِن الرجل مهما بلغتْ

مكانتها ، وجلس فى سكون الليل وحيداً

شاردا...

حتى انقطع ذلك السكون برنين التليفون ، فإذا

أم تلميذه هى مَن اتصل به :

ياأستاذ أتأسف بشدةٍ لما حدث

اليوم...أرجوووووك لاتزعل ...

فرد المعلم بكل هدوءٍ ووقارٍ :

ياسيدتى المحترمة...أؤكّد لكِ بأننى لم أزعلْ

على الاطلاق....ولكن اسمحى لى أنْ أقول -

كمعلم لعلم النفس - أننى أخشى مِن تأثير

هذه المشاحنات الأسرية على نفسية ابنكِ

فتبعده عن التفوق ، مما يهددُ مستقبله العلمى ..

وهنا التقطتْ أم التلميذ الخيط مِن الأستاذ

لتسأله عن كيفية إبعاد ابنها عن هذا الجو

النفسى...فطلبَ منها بأنْ تكونَ مشاحناتُها

مع زوجها بصوتٍ منخفضٍ فى غرفتهما

ودون أنْ يحسَّ بها ابنها ....


وهنا انفتح قلبُ المرأة وانكسرتْ حواجز

الكبت عندها وقالتْ بصوتٍ متهدجٍ :

ياأستاذ أنا والله مقتنعة تماما بما

تقوله ، ولكن ليس بيدى شيئ ، لأنَّ أباه

عنيفٌ جداً ، بل وقاسى الطبع ، وسامحه

أبى الذى زوّجنى له...

وهنا انسابتْ دموعُها أمطاراً نزلتْ على

وجهها ؛ لتبردَ نيرانَ الحزن ، وآلام الصفعات

مِن زوجها القاسى ، وأخذ الأستاذ يهدئ

مِن روعها ، حتى بدأتْ تهدأ ، وقد خرج

مابها مِن كبت السنين الحزينة... فبادرته قائلةً :

أستاذ...ممكن أعتبركَ صديقاً ، وأستشيركَ -

باعتباركَ متخصصاً فى علم النفس -

فى بعض أمورى الخاصة

فإنى - والله - قد ارتحتُ لكَ كثيراً جداً....

ردَّ الاستاذ سالم ، وقد أخذته الشفقة على

هذه المرأة الحزينة ، وتمنى أنْ يساعدها :

اعتبرينى أخاً وصديقاً ياسيدتى

وتكلمى براحتكِ.....

فأخرجتْ الدفقة الثانية مِن أحزانها

المكبوووووتة وقالتْ فى سكينةٍ :

لقد كان والدى ياأستاذ ، ضابطاً كبيراً

فى الجيش المصرى ، وكان بطلاً عظيماً

شارك فى أكثر من حربٍ أمام إسرائيل

ومِن عشقه للعسكرية أراد أنْ أكونَ مثله

وأدخلنى فى الحياة العسكرية الجافة

على الرغم مِن حبى للشعر والموسيقى

ولم يُقدّرْ والدى روحى الرومانسية ، ولكنَّ

أبى صمَّم على إلحاقى بالحياة العسكرية

وخصوصاً أنه لم ينجبْ غيرى ، ولم يكنْ

لديه ولدٌ ؛ ليرى فيه أحلامه....

وفى الغد تحدثتْ تلك الضابطة المكلومة

الى الإستاذ مرة أخرى ؛ لتكملَ حكايتها فقالتْ :

إنَّ أبى - ياأستاذ - قد زوّجنى من هذا

الرجل القاسى والذى يعملُ ضابطاً على

الحدود المصرية مع ليبيا ، ويظل هناك

فى عمله شهراً كاملاً ، حيث نكونُ فيه أنا

وابنى أسعد الناس ، ثم يأتى للمنزل أسبوعاً

يذيقنا فيه التعاسة والضرب والإهانة....

وإننى مازلتُ أتحمّلُ طباعه السيئة مِن

أجل ابنى الوحيد ...ولكننى لاأعرف إلى متى

أقدر على تحمّل هذا العذاب ؟!...

وكلما رد الأستاذ على كلامها ارتاحتْ نفسيتها أكثر

وبدأتْ تحسُّ بأنَّ هناك فى الدنيا مَن يسمعُها...

مَن يحترمُها...مَن يعاملها باعتبارها إنسانة !!.....

وتوالتْ المكالماتُ بينهما ، وأصبحا صديقين

فى التليفون ثم تطوّر الأمرُ إلى الإعجاب

المشترك.... حتى وصلَ الحوارُ للمحطة

الاخيرة بين رجلٍ وامرأةٍ أعجبَ

كلٌّ منهما بالآخر...حتى تحدَّث لسانها -

دون أنْ تدرى - :

بحبك ياسالم....

ولكنهما كانا يتجنبان مِن اللقاء فى أى مكان

لأنَّ كلاً منهما معروووووفٌ ومشهورٌ

فهو معلم يعرفه آلاف الطلاب أينما ذهب

وأما هى فيعرفها معظم أهل الحى

لأنها مِن المصريّات القليلات اللاتى دخلن

الجيش ، وكلما سارتْ بالزى العسكرى

تابعتها عيونُ الناس ، حتى حفظتها

معظمُ الوجوه ، وفى الأسبوع التالى ذهبَ

لابنها ؛ ليعطيه الدرس الخصوصىَّ ، حتى

حضرَ صديقٌ لابنها ، ويريد مقابلته لأمرٍ

ضرورى ، وإنه ينتظره الآن فى غرفة

الاستقبال ، فاستأذنَ التلميذ مِن معلمه

ربع الساعة ؛ ليقابلَ صديقه ، وهنا دخلتْ

أم تلميذه وحبيبته ( ضابطة الجيش ) ولكن

بزى النساء ، وليس بالزى العسكرى

وابتسمتْ الدنيا كلها تحية لجمالها الهادئ

الرقيق ، الذى لاحظه لأول مرةٍ ، وكم كان

شعرُها ينسابُ على خديها انسياباً رائعاً

كاهتزاز أوراق الشجر الخضراء فى فصل

الربيع ، مع هبوب نسمةٍ عابرةٍ ، وكان الأروعُ

مِن كل هذا هو ابتسامتها التى أعلنتْ

عن تفتح الورود الجميلة مع

إشراقة نور الصباح.....وتكلما لأول مرةٍ

وجهاً لوجهٍ كمحبين ، ولم يصدقْ أنها تكبره

بسبع سنوات ، بل ضحكَ لصراحتها

غير مصدقٍ ماتقول...واشتعلَ الشوقُ ...

وزادتْ نيرانُ العشق...

ومرتْ أيامُ الحب سريعة ، ومعها انتهى

العامُ الدراسى ، ولم يعد هناك مبررٌ للذهاب

لبيتها ، الذى ذاق فيه حلاوة رؤية حبيبته

دون أنْ يقعَ فى الخطيئة ، بل إنه حتى لم

يلمسْ يدها ؛ حتى يظلَّ ذلك الحبُّ طاهراً

بينهما..... ولكنها لم تعدْ قادرة على فراقه

ولم تعد تتحملُ إساءة زوجها القاسى

فاتصلتْ بالاستاذ باكيةً ، وقالتْ له :

حبيبى ...لقد طلبتُ الطلاق من زوجى...

وسأعيش معكَ طول العمر...

ولكن سالم أخذته رجفة ، وتذكَّر تلميذه

واستيقظ ضميره النائم ؛ ليسكتَ صوت

حبه المتأجج ، وتحدّث بصوتٍ

متهدجٍ ، يحبس عنه دموعه ، وقال :

حبيبتى ...يجب أنْ نفترقَ...فلن أبنى سعادتى

على تعاسة غيرى ...ولن أخربَ البيوت

العامرة...ولن أصدمَ ابنكِ الذى

يحبنى ، ويعتبرنى نموذجاً يُحتذى

ويتخذنى مثلاً أعلى....لا ياحبيبتى...فإننى

الآن سأبتعد ... وليبقَ حبنا ذكرى جميلة

تتذكرينها عندما تصفو السماء

وينتصفها البدر الجميل.....

وعاد لأحزانه مع الوحدة الكئيبة ؛ ليواجه

مرارة الفرااااق الحتمى................

تمت بحمد الله

بقلمى
سمير البولاقى

ملحوظة : برجاء لكل من ينقل قصصى إلى مواقع أخرى بأن يكتب أسفلها كلمة ( منقول ) حتى لا يتعرض للاحراج ؛ لأنى أتابع كل أعمالى على كل المواقع ، وقصصى كلها مسجلة بتاريخها بكل الطرق القانونية ؛ لضمان حفظ حقوقى الأدبية....وللجميع تحياتى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق