السبت، 20 أكتوبر 2012

وانكشف القناع ( قصة قصيرة بقلمى )

خرجَ الأستاذ سامح مدرس اللغة العربية من المدرسة

فتناولَ غداءه فى مطعم قريب ، ثم دخل مسجد الإمام الحسين

- رضوان الله عليه - بحى الأزهر أقدم أحياء القاهرة ، فصلى


العصر ، ثم اتجه إلى منطقة الجمالية ذات الطابع الشعبى

فدلف منها إلى بيتٍ قديمٍ ؛ ليعطىَ الدرسَ الخصوصىّ لتلميذه

فى المدرسة خليل...



وبعد قليل ، دخلتْ شقيقة التلميذ الكبرى

لتقدمَ القهوة للأستاذ سامحفإذا بها رائعة الجمال ...حسنة

المظهر....وتحركتْ مشاعرُ الأستاذ أمام عينيها

الزرقاوين ، والتى بدتْ كالسماء الصافية فى ليالى الربيع

نعم.. فلقد كان لعيونها بريقٌ عجزَ عن مقاومة سحره ! ..

وأما شعرُها فكان : أصفرَ اللون ذهبياً ناعماً ، وقد تدلّتْ إحدى

خصلاته إلى عيونها ، فزادتها جاذبية ، ثم انسحبتْ فى هدوء

ليكملَ درسه مع شقيقها ، وقد ودعتْه بابتسامةٍ ملؤها الرقة

والعذوبة والوداعة الطفولية البريئة ...



وظل الأستاذ سامح يوم الثلاثاء من كلّ أسبوعٍ ، يترددُ على

منزل تلميذه خليل ؛ ليعطيه الدرسَ الخصوصى ، وقد أصبحَ

معتادا أنْ تأتىَ شقيقة تلميذه بالقهوة ، ثم بدأَ التعارفُ بينهما

وأبلغته بأنَّ تعليمَها متوسط ، ولكنَّها تحبُّ طريقة إلقائه

للشِعر فى الدرس ، حيث إنها تحرصُ على أنْ تسمعَ الدرسَ

من غرفتها ؛ لتراجعَ مع أخيها ماحصّله من الدروس

واقتربتْ المسافة بينهما ، وازدادَ الإعجابُ درجاتٍ ، وكلما

حانَ موعدُ الدرس ، تزعمُ بأنَّ دواءَ أمها المريضة ، والتى

ترقدُ فى فراشها ، قد انتهى ، ولذلك فإنها ترجو الأستاذ ، بأنْ

يسمحَ لأخيها بالنزول حالاً ؛ لشراء الدواء لأمها ، وطبعاً

لايستطيعُ الأستاذ رفض طلبٍ إنسانىّ كهذا ، فتنفردُ به

فى غياب أخيها ؛ ليبدأ تعانقُ الأرواح ...وتشابكُ

القلوب ؛ لتقترب المسافة أكثر فأكثر....

ويظلُّ الأستاذ متجمداً مع عينيها المتقدتين بالأنوثة الحُلوة

فانكسرَ حاجزُ صمته ، بإبداء إعجابها بثقافته المتنوعة

وإلمامه بمعارف الحياة المختلفة ، بل أخذتْ تنوّهُ إلى وسامته

التى تعجبُ بناتِ الشارع اللاتى يرونه وهو يدخلُ منزلهم

وكلما جاءتْ بالقهوة ، لمستْ أصابُعها أصابعه ، وهو يتناولُ

القهوة من يديها الناعمتين كالمرمر الرقيق ، فتبتسمُ له

ابتسامة تغريه بمزيدٍ من القرب ، ولولا تدينه العالى ، وخوفه

الدائم من الله ، لكان من الممكن أن يتهور ....


ومرتْ السنة الدراسية ، وتقررَ أنْ يُعقدَ الامتحانُ النهائىّ

للطلاب يوم السبت القادم ، ومن ثمَّ فإنَّ على الأستاذ أنْ يذهبَ

 
هذه المرة يوم الجمعة ، وليس الثلاثاء ، للمراجعة النهائية

مع تلميذه ، ولذلك فلقد تحدّثَ سامح إلى عائلته ؛ بالرغبة فى

الزواج من هذه الفتاة ، جميلة الشكل ، رقيقة الطبع ، وبدأ

يعددُ مزاياها أمام أسرته ، وإنه سيطلبُ من الفتاة فى يوم

الجمعة القادم ، بأنَّه يريدُها زوجة له ، وذلك بعد اعطاء آخر

درس لأخيها هذا العام ، فإذا لم يحدثْ الزواجُ ، فإنه لن يدخلَ

بيتهم مرة أخرى ، وبينما الأستاذ فى المدرسة إذا بهاتفه

المحمول يرنُّ ، وكان المتحدثُ ابن خالته ، والذى يسكنُ

فى قرية بعيدة جداً عن القاهرة ، وقد دعاه ابن خالته لحفل

زفافه غدا الجمعة ، ومعه العائلة ، فوقع الأستاذ سامح فى

حيرةٍ ، إذ كيف يحضرُ زفاف ابن خالته ، والذى لابدَّ فيه من

أنْ يسافرَ من الفجر ، وطبعاً لايستطيعُ الاعتذار عن حفل

الزفاف ، وفى ذات الوقت فإنَّه موعدُ الدرس الآخير فى السنة

وهو درسٌ مهمٌ جداً ، إلى جانب أنَّه سيطلبُ فيه الزواجَ من

الفتاة الجميلة شقيقة تلميذه ، فخطرتْ له فكرة ، وهى أنْ

يصحبَ تلميذه اليوم الخميس بعد انتهاء اليوم الدراسى

مباشرة ؛ ليعطيه الدرسَ الاخير الآن بدلاً من الغد ، ومن ثمَّ

فإنَّ شقيقة التلميذ لم تعلمْ بالموعد المفاجئ للدرس ، حيث

أنَّها تستيقظ بعد الظهر ، بينما يكون أخوها خليل قد خرج

من مدرسته .....


ودخلَ الأستاذ سامح منزل تلميذه ، والفتاة الجميلة مازالتْ

نائمة فى سباتٍ عميقٍ ، وكان صوت الراديو ( المذياع ) عند

الجيران عالياً جداً ، مما أيقظ الفتاة النائمة نومة أهل الكهف

فاستيقظتْ متضايقةً جداً ، وصبَّتْ جامَ غضبها على الجيران

وأخذتْ تكيلُ لهم كلَّ الألفاظ النابية ، والتى تخدشُ حياءَ

الرجال المنحرفين ، فما بالك إذا سمعها فتياتُ الحىّ

المتعففات ، ذوات الخجل والحياء الأنثوى الفطرى ، ودام

عويلُها ونباحُها وزئيرُها وعواؤُها ، ولاتدرى بأنَّ

الأستاذ سامح يسمعُ كل ماقالته من جراء صوتها العالى

الفاضح ، وأصبحَ فى ذهولٍ من فتاته الرقيقة ، ولما أنهتْ

سبَّها لجيرانها ، انطلقتْ إلى الحمام ؛ لتغسلَ وجهَها من

آثار النوم ، وعبرتْ الصالة ؛ لتجدَ سامح أمامها ، فوجمتْ من

هول المفاجأة ، أما هو فتوالتْ المفاجاتُ أمام عينيه ، إذ لم يجدْ

لها عيوناً زرقاءً ، بل كانت عدسات لاصقة ، وكان شَعرها

خشناً جداً ، فقد كان مايراه دوماً ، هو باروكة شعر مستعار

والآن : يراها على حقيقتها الظاهرة والباطنة ، نعم يراها الآن

بوضوحٍ خُلقا - بضم الخاء- وخَلقا - بفتح الخاء - ولقد كانت

الصدمة تجاه ما اكتشفه من فتاته كبيرةً جداً ، لكنَّه تحاملَ

على نفسه ، وحمدَ ربَّه شاكراً إياه ، على أنَّ هذا اليوم

هو الدرس الآخير فى السنة ...

وبدأ يفكر فى معنى الجمال الحقيقى وهو أنْ يجدَ

امرأة جميلة الخلق والروح بدون أىّ قناعٍ ، حتى أذن لصلاة

العصر ، فدخلَ المسجد الحسينى ، يصلى ويبتهلُ لربه

بالدعاء ، أنْ يجدَ من تكونُ صادقة ، وتعينه على دينه....

تمت بحمد الله


بقلمى
سمير البولاقى

ملحوظة : أرجو من الأخوة الكرام الذين ينقلون قصصى إلى مواقع أخرى ؛ بأن يكتبوا أسفل قصصى كلمة ( منقول )
منعاً للإحراج ؛ حيث إننى أتابع قصصى فى كل المواقع ، وكل قصصى مسجلة بتاريخها بكل الطرق القانونية ؛ لضمان حفظ حقوقى الأدبية....وتحياتى للجميع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق