الأحد، 28 أكتوبر 2012

حبٌّ مستحيل ( قصة قصيرة بقلمى )


انتهتْ محاضرة التاريخ بجامعة السربون الفرنسيّة

وخرجَ أحمد شاردَ الذهن يفكِّرُ فيما قاله الاستاذ

الفرنسى عن تحضُّر الشعوب الأوربيّة ، والذين

نجحوا فى تكوين اتحادٍ أوروبىٍّ بينهم ، ووحَّدوا

عملتهم وفتحوا الحدودَ بينهم رغمَ اختلاف اللغات

والمذاهب والأهواء...

********
وأخذ الغرابُ ينعقُ فى السماء ، فاضطربَ فؤادُه

وهويتجه إلى كافيتيرا الكلية ؛ ليحتسىَ قهوته فى

ذاك اليوم البارد ، وتذكَّرَ حالَ أمته العربيَّة الواهنة

وخلافاتها السَّاذجة وظلم زعمائها لشعوبهم ...

حتى تنبَّه على صوت زميلته العربيَّة فى الكلية

( حياة الجزائريَّة ) وقد بادرته ببسمةٍ حنونٍ أسعدتْ

قلبَه الحزين مِن آلام الاغتراب ، ثمّ احتسيا القهوة

سوياً ، وحلَّقَ أحمد بخياله منتشياً مع أغنية

( أنا بعشقك ) للمطربة السوريّة ( ميادة ) فتعانقتْ

روحُهما مع ذاك الدفء العربىّ الجميل الذى كسرَ

برودة الجوِّ الأوروبىِّ ، وقد علتْهما طيورُ النورس

التى ظللتْ العاشقيْن بعزفها السيموفنىّ البديع

معلنةً مباركة السماء لهذا العشق الطاهر النبيل...

**********
وبينما ينعمُ الحبيبان بلذة العشق ، اختفتْ الطيور

وظلَّ الغرابُ وحده ينعقُ فى السماء ، و إذا

بزميلهما الثالث فى الكلية ( دافيد ) والذى ضايقَه

ذاك الود ، ومازالَ يحاولُ إفسادَ العلاقة بين الحبيبيْن

ولاييأسُ أبداً مِن فشله المتكرر معهما .....

**********
وقد تقررَ فى يوم 21 من نوفمبر 2009 أنْ تُقامَ

مبارةٌ حاسمة فى كرة القدم بين مصر والجزائر

ليصعدَ الفائزُ منهما لنهائيات كأس العالم ممثلاً عن

العرب وقد تجمَّعَ الحبيبان المصرىّ والجزائريّة

بأحد مقاهى باريس ، وحولهما إخوانهما مِن العرب

 
ووسط الصفوف كان ( دافيد ) يترقَّبُ الحدثَ

ويتصلُ بأخيه الكبير الموجود بالملعب ، والمُندس

بين الجماهيرالمصريّة ، ثم يتصلُ بأخيه الآخر

الجالس بين الجماهير الجزائريّة ، حتى اشتعلَ

الملعبُ بالنيران فوجدَ ( دافيد ) الفرصة السانحة 

لتفريق المحبّين والكلُّ صامتٌ يترقبُ صافرة الحكم

لنهاية المبارة ومازال الغرابُ ينعقُ فى السماء.....

*********
وما إنْ انتهتْ المبارة إذا ب( دافيد ) يقسمُ بأنَّ

الحكمَ قد ظلمَ المصريين ، وأنَّ المصريين أعظمُ

العربِ إبداعاً فاندفعَ بعضُ الجزائريين المتعصبين

يقللُ مِن شأن المصريين ، فردَّ عليه أحدُ المصريين

بحدِّةٍ مماثلةٍ ، فإذا بالجزائرىّ يعايرُ المصريين

بسمعة الفنانات المصريَّات ، وقد نسىَ دورَ مصر

فى مساندة الثورة الجزائريّة ... وهنا اندفعَ مصرىٌّ

يردُّ الإهانة لشقيقه الجزائرىّ مردداً : (إنَّ الجزائرَ

بلد المليون لقيط وليس المليون شهيد )

ونسىَ المصرىُّ دورَ الجزائر فى وقوفها معه

بحرب رمضان التى انتصرَ فيها على إسرائيل

انتصاراً حاسماً ، واحتدمَ الموقفُ بين

الشقيقين العربيين ، وسكتتْ الأصواتُ

الحكيمة ،وعلتْ أصواتُ الأسلحة البيضاء

وازدادتْ الجرحى ، فلاتعرفُ فيهم المصرىُّ من

الجزائرىّ ، حتى لفظَ رجلٌ جزائرىٌّ أنفاسَه الآخيرة

فتحوَّلتْ المنافسةُ الرياضيّة الشريفة إلى حربٍ قبليّةٍ

كحرب البسوس فى العصر الجاهلىّ ، وتناسَى

الشقيقان الإسلامَ والعروبةَ وأخوة الدم ....

***********
وعندما رأت ( حياة ) ابن وطنها الجزائرىّ وهو

غارقٌ بدمائه ويودِّعُ الحياةَ استشاطَ غضبُها ، وهزمَ

الشعورُ بالانتقام حبَّها لأحمد

 فصرختْ : فليسقطْ
المصريّون

 عملاء الأمريكان ... وتناستْ قلبَها


وأحلامَها ، وتباعدَ الحبيبان

 وأضحى كل واحدٍ
منهما يقفُ

 مع أهل بلده ، وجُرِحَ أحمدُ فى

 رأسه
فهتفَ :

 ليسقطْ الجزائريون عملاء فرنسا ..


وعادَ الغرابُ ينعقُ فى السماء...

**********
وانبرى الإعلامُ فى إشعال النيران

 المتأججة
فى النفوس ؛ ليلهيَهم

عن فساد الحُكَّام
فخرجتْ المسيراتُ

 فى البلدين الشقيقين
، وكلٌّ

 منهما تلعنُ الأخرى ، ومازال ( دافيد )


يبتسمُ للنجاح ، ومابرحَ الغرابُ

 ينعقُ فى السماء..


***********


ومرتْ الشهورُ وانتهى العامُ الدراسىُّ

ولازالتْ الحبيبة الجزائريّة تنظرُ

لحبيبها المصرىّ نظرات الحقد

والكراهية والرغبة فى الانتقام ، حتى

حصلَ كلٌّ منهما على شهادته

العلميّة ، وحانَ وقتُ رجوع كلٍّ منهما

لوطنه ، وفى مطار باريس كان

اللقاءُ الآخير بين العاشقين

فنظرَ كلٌّ منهما للآخر نظرة عتاب

ممزوجةٍ بحزنٍ وحسرةٍ أليمةٍ

من فراقٍ وشيك ، وأضحى الفراقُ باعثاً على

إيقاظ الحب المدفون كالذهب الذى

 اعتلاه الترابُ
فعادَ لبريقه عندما حانَ

الوداعُ
، فابتسمتْ ( حياة ) ابتسامة

 الجريح
، وابتسمَ أحمد وهو يدراى

 
  دمعةً أبتْ أنْ تتوقفَ ، وتصافحا

 وبادرتْه
( حياة ) :

 اذكرنى بالخير عند أهلكَ يا حبيبى....


ومازالَ أحمد يتذرَّعُ ببصيص

 من الأمل فجاوبها :


سأعودُ لكِ حبيبتى يوماً

 فانتظرى بزوغَ الفجر...


ومضى كلٌّ منهما بطريق

 ومازال الغرابُ
ينعقُ فى السماء ....

تمَّتْ بحمد الله

بقلمى

سمير البولاقى



 

ملحوظة : أشكرُ أختى وصديقتى الجزائرية الآنسة ( ن) لمساعدتها لى فى معرفة الطبيعة الجزائرية راجياً أن تحقق القصة هدفها المنشود ، وأشهد الله أن حاولتُ التزامَ الحياد فى تلك القصة التى كتبتُها من خيالى المحض ، وأرجو ممن ينقل قصصى إلى أى موقع آخر بأن يكتب أسفلها كلمة ( منقول ) منعاً للإحراج ، حيث إن كل قصصى مسجلة بكل الطرق القانونية لضمان حفظ حقوقى الأدبية وللجميع تحياتى..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق