أُعلنتْ نتيجة السنة النهائية بقسم الفلسفة
بجامعة ( القاهرة ) بمصر ، ووجد الطالب
( أحمد الحزين ) اسمه فى قوائم الناجحين
فاعتلتْ وجهه ابتسامة ساخرة اختلطتْ بقلقٍ
على الأيام القادمة التى ستعقب النجاح ، وإذا
بحبيبته واسمها ( زهرة ) تبادره بابتسامةٍ
حلوةٍ ...ضحكتْ لها الأشجار حولهما ، ثم قالتْ :
الحمد لله أننا نجحنا يا أحمد....وبقى علينا الآن
أن نفكر فى مستقبلنا معاً.... وأما أحمد ، فكان
يهز رأسه بالموافقة .....ثم سارا بمحاذاة نهر
النيل ، واشتبكتْ الأيدى ...وفوقهما عصفوران
يحومان حولهما ، ويرددان لحناً شجياً ينذرُ
بالآلام القادمة ....ثم سألته زهرة : حبيبى
أحمد ، إنّ هناك سؤال يلح عليّ طوال سنوات
الدراسة الأربعة الماضية ....ولم أعرفْ له
جواباً ....وهو لماذا أطلقوا عليكَ اسم (أحمد
الحزين) ؟!....شردَ أحمد قليلاً ، واعتلته
نظرة حزينة ولكنه قال : كانت أمى حبلى
فى شهرها التاسع ، بعد زواجها من أبى
بعامٍ واحدٍ ، ثم فاجأتها آلام الولادة ، فى
ليلةٍ شتويةٍ ممطرةٍ ، امتلأتْ بالبرق والرعد
فأخذها أبى بسرعةٍ فى سيارةٍ أجرة
وسرعان ما انزلقتْ السيارة بهما ، فتوفى أبى -
رحمه الله - أما أمى فنقلوها إلى المستشفى
وهى فى حالة يرثى اليها ، وتمت ولادتى
بصعوبة ، فى هذا الجو المشحون ، ولكن
أمى توفيتْ بعد ولادتى بساعةٍ واحدةٍ
وسبحان مَن يخرجُ الحى من الميت
فأطلق علىّ خالى اسماً مركباً وهو (أحمد
الحزين) لأننى عرفتُ الحزن بمجرد
ولادتى ، وأصبحتُ يتيماً ، ولم تشاهدْ
عيناى ، لا أبى ولا أمى ثم ربّانى خالى
الفقير، والذى فى رقبته أربعة أولادٍ
غيرى ، ولذلك أعملُ فى مخبز بعد الظهر
بأجرٍ قليلٍ جداً فقط ؛ ليغنينى عن طلب شيئٍ
مِن خالى ؛ فلا أزيد مِن أعبائه ، وظللتُ
متمسكاً بالتعليم ، وعشقتُ الفلسفة التى
تبحث فى العقل والوجود ، وهنا تدخلتْ
زهرة قائلة : ولكن الآن عليكَ أنْ تفكرَ فى
عملٍ يأتى عليكَ بدخل سريع ؛ لأنّ أهلى كل
فترةٍ يأتون إلىّ بعريس جديدٍ ، وأهربُ
مِن طلبهم لتزويجى ، بمبرراتٍ انتهتْ
كلها بعد تخرجى .....
فتضايق أحمد شيئا ما ، ولكنه وعدها
بالبحث بجديةٍ عن عملٍ ، وظل يبحث عن
عملٍ يناسبه بلا فائدةٍ ، ولكنه وجد وظيفةً
وحيدة ، وهى العمل ( عامل نظافة ) فى
إحدى المستشفيات ، ولكنّ الراتب يسمح له
بأنْ ينفقَ على نفسه فقط ، ولا يقدر أنْ
يؤسسَ منزلاً للزوجية ، ولا يعرف ماذا
يفعل ، غير أنه أخفى على زهرة ، حقيقة
عمله ، وخصوصاً أنها عرفته فى الجامعة
وكانتْ تأمل فيه أشياءً كثيرة ، وفى
اللقاء التالى جاءتْ زهرة ، وقد ظهرتْ
الجدية على ملامحها ثم قالتْ :
للأسف سيجبرونى على الزواج
وسيعقدون زفافى الخميس القادم ....
قلبى معكَ ، ولكنكَ ليس بيدكَ شئٌ .......
ثم انصرفتْ كمن تودعه ...فكسا وجهه
الحزن الشديد ، ولم يعد يدرى ما يفعله
وبينما هو يمارس عمله فى النظافة
بالمستشفى ، إذا بعائلةٍ يظهر عليها
مظاهر الثراء ، وكانوا يجرّون امرأة
اقتربتْ من الموت ، وزوجها يبكى يائساً :
يا ناس إنّ زوجتى تموت بالفشل الكلوى ...
مَن يدلّنى على إنسانٍ يتبرع بإحدى كليتيه
وأعطيه مائة ألف جنيه فوراً ...
وهنا زاغتْ عينا أحمد ، وأسرع دون تفكيرٍ
إلى الرجل قائلاً : أنا ...أنا...أنا أتبرع
لكم بكليتى.... فأخذه الرجل بسرعةٍ إلى
الأطباء المتخصصين الذين أعطوه
المحاليل اللازمة ، وهو فرحان لاقترابه
من تحقيق أمله ، والزواج من حبيبته
زهرة ، والرجل يبتسم له ، ويعده بأنه
سيعطيه المال عقب العملية ، وانتهتْ
العملية بالفشل ، لأن جسم المرأة لم يقبل
الكلية الجديدة ، وماتتْ المرأة ....وأما
زوجها فقد رفض أن يعطى أحمد أى
جنيه ، فلا أخذ أحمد المال ، ولا يستطيع
إرجاع كليته التى ضاعتْ كما ضاعتْ منه
حبيبته ، وكما ضاعتْ منه أمه وأبوه
بعد ولادته ...
ومشى أحمد فى الطريق المظلم وحيداً ...
ومرتْ بجواره سيارة الزفاف التى تزف
حبيبته زهرة ، وبجواره رجلٌ غيره
وازدادتْ أحزانه ، وأحس بالاختناق
وفكر فى الانتحار ، وأخذ طريقه إلى نهر
النيل ؛ ليرمى نفسه من فوق أحد
الكبارى العلوية ، وبينما هو سائرٌ مر
بجوار مسجد (السيدة زينب ) حيث كانت
تقام شعائر صلاة الفجر الجهرية ، وسمع
صوت الامام عالياً فى الميكرفون وهو
يردد قوله تعالى : قل يا عبادى الذين
أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من
رحمة الله ...فانسابتْ الدموع غزيرةً
كالمطر تروى القلب الظمآن للحب الآلهى
الذى كان طوق النجاة...ودخل المسجد
ليصلى ، وسجد لله تعالى يشكو إليه همه
...فهو إله المستضعفين........
تمت بحمد الله
بقلمى
سمير البولاقى
سمير البولاقى
ملحوظة : أرجو ممن
ينقل قصصى إلى مواقع أخرى ؛ بأن يكتب أسفلها كلمة ( منقول ) حتى لايتعرض
للإحراج ؛ لأننى أتابع قصصى على كل مواقع البحث ، وكل قصصى مسجلة بتاريخها قانونيا لضمان
حفظ حقوقى الأدبية.....وللجميع خالص تحياتى....
حفظ حقوقى الأدبية.....وللجميع خالص تحياتى....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق