الخميس، 25 أكتوبر 2012

اسمى الحزين...قدرى الحزين ( قصة قصيرة بقلمى )

أُعلنتْ نتيجة السنة النهائية بقسم الفلسفة

بجامعة ( القاهرة ) بمصر ، ووجد الطالب


( أحمد الحزين ) اسمه فى قوائم الناجحين

فاعتلتْ وجهه ابتسامة ساخرة اختلطتْ بقلقٍ

على الأيام القادمة التى ستعقب النجاح ، وإذا

بحبيبته واسمها ( زهرة ) تبادره بابتسامةٍ

حلوةٍ ...ضحكتْ لها الأشجار حولهما ، ثم قالتْ :

الحمد لله أننا نجحنا يا أحمد....وبقى علينا الآن

أن نفكر فى مستقبلنا معاً.... وأما أحمد ، فكان

يهز رأسه بالموافقة .....ثم سارا بمحاذاة نهر

النيل ، واشتبكتْ الأيدى ...وفوقهما عصفوران

يحومان حولهما ، ويرددان لحناً شجياً ينذرُ

بالآلام القادمة ....ثم سألته زهرة : حبيبى

أحمد ، إنّ هناك سؤال يلح عليّ طوال سنوات

الدراسة الأربعة الماضية ....ولم أعرفْ له

جواباً ....وهو لماذا أطلقوا عليكَ اسم (أحمد

الحزين) ؟!....شردَ أحمد قليلاً ، واعتلته

نظرة حزينة ولكنه قال : كانت أمى حبلى

فى شهرها التاسع ، بعد زواجها من أبى

بعامٍ واحدٍ ، ثم فاجأتها آلام الولادة ، فى

ليلةٍ شتويةٍ ممطرةٍ ، امتلأتْ بالبرق والرعد

فأخذها أبى بسرعةٍ فى سيارةٍ أجرة

وسرعان ما انزلقتْ السيارة بهما ، فتوفى أبى -

رحمه الله - أما أمى فنقلوها إلى المستشفى

وهى فى حالة يرثى اليها ، وتمت ولادتى

بصعوبة ، فى هذا الجو المشحون ، ولكن

أمى توفيتْ بعد ولادتى بساعةٍ واحدةٍ

وسبحان مَن يخرجُ الحى من الميت

فأطلق علىّ خالى اسماً مركباً وهو (أحمد

الحزين) لأننى عرفتُ الحزن بمجرد

ولادتى ، وأصبحتُ يتيماً ، ولم تشاهدْ

عيناى ، لا أبى ولا أمى ثم ربّانى خالى

الفقير، والذى فى رقبته أربعة أولادٍ

غيرى ، ولذلك أعملُ فى مخبز بعد الظهر

بأجرٍ قليلٍ جداً فقط ؛ ليغنينى عن طلب شيئٍ

مِن خالى ؛ فلا أزيد مِن أعبائه ، وظللتُ

متمسكاً بالتعليم ، وعشقتُ الفلسفة التى

تبحث فى العقل والوجود ، وهنا تدخلتْ

زهرة قائلة : ولكن الآن عليكَ أنْ تفكرَ فى

عملٍ يأتى عليكَ بدخل سريع ؛ لأنّ أهلى كل

فترةٍ يأتون إلىّ بعريس جديدٍ ، وأهربُ

مِن طلبهم لتزويجى ، بمبرراتٍ انتهتْ

كلها بعد تخرجى .....

فتضايق أحمد شيئا ما ، ولكنه وعدها

بالبحث بجديةٍ عن عملٍ ، وظل يبحث عن

عملٍ يناسبه بلا فائدةٍ ، ولكنه وجد وظيفةً

وحيدة ، وهى العمل ( عامل نظافة ) فى

إحدى المستشفيات ، ولكنّ الراتب يسمح له

بأنْ ينفقَ على نفسه فقط ، ولا يقدر أنْ

يؤسسَ منزلاً للزوجية ، ولا يعرف ماذا

يفعل ، غير أنه أخفى على زهرة ، حقيقة

عمله ، وخصوصاً أنها عرفته فى الجامعة

وكانتْ تأمل فيه أشياءً كثيرة ، وفى

اللقاء التالى جاءتْ زهرة ، وقد ظهرتْ

الجدية على ملامحها ثم قالتْ :

للأسف سيجبرونى على الزواج

وسيعقدون زفافى الخميس القادم ....

قلبى معكَ ، ولكنكَ ليس بيدكَ شئٌ .......

ثم انصرفتْ كمن تودعه ...فكسا وجهه


الحزن الشديد ، ولم يعد يدرى ما يفعله


وبينما هو يمارس عمله فى النظافة

بالمستشفى ، إذا بعائلةٍ يظهر عليها

مظاهر الثراء ، وكانوا يجرّون امرأة

اقتربتْ من الموت ، وزوجها يبكى يائساً :

يا ناس إنّ زوجتى تموت بالفشل الكلوى ...

مَن يدلّنى على إنسانٍ يتبرع بإحدى كليتيه

وأعطيه مائة ألف جنيه فوراً ...

وهنا زاغتْ عينا أحمد ، وأسرع دون تفكيرٍ

إلى الرجل قائلاً : أنا ...أنا...أنا أتبرع

لكم بكليتى.... فأخذه الرجل بسرعةٍ إلى

الأطباء المتخصصين الذين أعطوه

المحاليل اللازمة ، وهو فرحان لاقترابه

من تحقيق أمله ، والزواج من حبيبته

زهرة ، والرجل يبتسم له ، ويعده بأنه

سيعطيه المال عقب العملية ، وانتهتْ

العملية بالفشل ، لأن جسم المرأة لم يقبل

الكلية الجديدة ، وماتتْ المرأة ....وأما

زوجها فقد رفض أن يعطى أحمد أى

جنيه ، فلا أخذ أحمد المال ، ولا يستطيع

إرجاع كليته التى ضاعتْ كما ضاعتْ منه

حبيبته ، وكما ضاعتْ منه أمه وأبوه

بعد ولادته ...

ومشى أحمد فى الطريق المظلم وحيداً ...

ومرتْ بجواره سيارة الزفاف التى تزف

حبيبته زهرة ، وبجواره رجلٌ غيره

وازدادتْ أحزانه ، وأحس بالاختناق

وفكر فى الانتحار ، وأخذ طريقه إلى نهر

النيل ؛ ليرمى نفسه من فوق أحد

الكبارى العلوية ، وبينما هو سائرٌ مر

بجوار مسجد (السيدة زينب ) حيث كانت

تقام شعائر صلاة الفجر الجهرية ، وسمع

صوت الامام عالياً فى الميكرفون وهو

يردد قوله تعالى : قل يا عبادى الذين

أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من

رحمة الله ...فانسابتْ الدموع غزيرةً

كالمطر تروى القلب الظمآن للحب الآلهى

الذى كان طوق النجاة...ودخل المسجد

ليصلى ، وسجد لله تعالى يشكو إليه همه

...فهو إله المستضعفين........

تمت بحمد الله
بقلمى
سمير البولاقى


ملحوظة : أرجو ممن ينقل قصصى إلى مواقع أخرى ؛ بأن يكتب أسفلها كلمة ( منقول ) حتى لايتعرض للإحراج ؛ لأننى أتابع قصصى على كل مواقع البحث ، وكل قصصى مسجلة بتاريخها قانونيا  لضمان
 حفظ حقوقى الأدبية.....وللجميع خالص تحياتى....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق