الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

وداعا يا ولدى الحبيب ( قصة قصيرة بقلمى )


اصطفَّ المصلون فى مسجد سيد الشهداء الإمام


الحسين بالقاهرة ؛ لتأدية صلاة العشاء ، وتلا


الإمامُ ما تيسَّر من سورة يوسف ، فانسابتْ


دموعُ الحاج إبراهيم غزيرة كالأمطار التى نزلتْ


فروتْ الصحراء الجرداء ، حيث تذكرَ ولده


الوحيد الذى مات غريقاً فى نهر النيل منذ


شهرين ، حتى انتهتْ صلاةُ العشاء ، وشرعَ


المصلون فى الانصراف ، وأما الحاج إبراهيم


فجلسَ يبتهلُ إلى الله بالدعاء ؛ بأنْ يلهمَه


الصبرَ على ما ابتلاه ، ولاحَ لوجدانه ماحدثَ


للنبى يعقوب - عليه السلام - عند فقده ليوسف


، فأخذَ يرددُ أدعية ذلك النبى الصبور ( فصبرٌ


جميلٌ والله المستعان على ماتصفون
) ثم

انصرفَ من
المسجد متجهاً لمنزله .....

وفى الطريق تداعتْ له الذكرياتُ بحُلوها ومُرّها


  وتذكَّرَ عندما كان شاباً ، وكانتْ أمُّه تُلِحُّ عليه


بالزواج ؛ حتى ترى أحفادَّها ؛ لأنَّه ولدُها


الوحيدُ ، وتخشى تركَه وحيداً فى الدنيا ، فتزوَّجَ


وكل أمله أنْ يُفرِحَ أمَّه ؛ بإنجاب حفنةٍ من


الأحفاد يملأون عليها الدارَ ، ومرَّ عامان من


الزواج دون إنجابٍ وسطَ قلق أمه ، وتردُّدٍ على


الأطباء ؛ بسبب ضعف زوجته ؛ حتى أنعمَ اللهُ


عليه بطفلٍ وحيدٍ جميل الوجه ، هادئ الطبع


أضحى قُرَّة عين والديه وجدته المقيمة معهم


فأطلقَ عليه اسم يوسف.....


ومرَّتْ الأيامُ سريعةً متلاحقة ، وكبُرَ يوسفُ


وكانَ متفوّقاً فى دراسته ؛ حتى التحقَ بكلية


الهندسة بجامعة القاهرة ، وأصبحَ صديقاً حميماً


لوالده ، وتعوَّدّ أنْ يُوقِظَ أباه لصلاة الفجر


والكل يغبطُه على ذلك الولد الصالح البار ...


واليوم قررَ المسئولون إقامة حفل تكريمٍ للحاج


إبراهيم ؛ لمجهوداته الرائعة فى تطوير العمل


وسيمنحونه شهادة تقدير ، وبينما يستعدُّ


إبراهيمُ للحفل ، اتَّصلَ به ابنه يوسفُ قائلاً :


أستأذنُكَ ياأبى اليوم فقط ؛ لركوب قاربٍ ؛ للتنزه


برحلةٍ فى نهر النيل مع زملائى ، وسأحضرُ قبل


العشاء ، واحذر ياأبى بأنْ تنامَ كثيراً ؛ فتضيعَ


عليكَ صلاةُ المغرب ، ويدخلَ وقتُها مع العشاء


ولاتنسى بأنْ تُشغلَ أمى بالحكايات الدينية


حتى تتصبرَ على غيابى .... أستودعكَ الله..


عاد الحاج إبراهيمُ لمنزله فرحاً ، ويتلهَّفُ على


رؤية ولده وصديقه يوسف ؛ ليُريَه شهادة


التقدير ، وصلَّى العشاء وحيداً لأول مرةٍ


والوقت يمرُّ ، فبدأََ يشعرُ بانقباضٍ غريبٍ


لتأخُّر ولده ؛ حتى رنَّ محمولُ زميله الذى


تحدث بنبرة شجية متأثرةٍ وقال :


تمالكْ نفسَكَ يا عمى إبراهيم ، فلقد انقلبَ بنا


القاربُ فى النيل ، ورأيتُ يوسفُ يغرقُ


ويصرخُ طالباً النجاة ؛ لعدم قدرته على


السباحة ، فسبحتُ مسرعاً ؛ لنجدته ، ولكنَّ


القدرَ كان أسبقَ إليه منى ، البقاء لله...


وانطلقَ الحاج إبراهيم بجلبابه المنزلى متلهفاً


يريدُ أنْ يرى جثمانَ ولده الغريق قبل أن يُواريَه


الترابُ ، وأما زوجتُه فلم تصدقْ الخبرَ


وانطلقتْ قواتُ الإنقاذ أملاً أنْ يكونَ مازال حياً


وعالقاً بأحد الجوانب ، ولكنَّ الوقتَ طال


واغتيل الأملُ فى الإنقاذ ، حتى كان اليومُ الثالث


الذى طفتْ فيه جثة ولده فوقَ سطح الماء


ليتأكد من موته ، فدمعتْ عينُه ، وتلا قولَ


يعقوب ( إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله ) وأما


زوجتُه فأرادتْ احتضانَ جثة ولدها ، والنساء


تُمسِكُ بيدها ، وحمله الرجالُ لسيارة الموتى إلى


حيث مرقده الآخير ، فلم تتمالكْ ونزلتْ على


ركبتيها تضعُ الترابَ على وجهها ، فى مشهدٍ


حزينٍ أبكى كل الحاضرين...


فاق الحاج إبراهيم من غفوته الحزينة ، ولم


يشعر بطول الطريق بين المسجد الحسينىّ


ومنزله ، ونظر لأركان البيت التى أضحتْ كئيبة


مظلمة ، وباتتْ زوجته تقضى اليوم كله فى


العبادة ، والدعاء لله ؛ بأنْ يُقرِّبَ أجلها ؛ لتنعمَ


برؤية ولدها فى جنة الرضوان ، وحرَّمتْ على


نفسها كل ملذات الحياة ، وأما ابتسامتُها الحُلوة


التى كانت تلازمُها ، فقد رحلتْ بلا عودةٍ ، فنظر


إليها حزيناً عاجزاً عن التكلم ، فتركها ؛ ليدخلَ


غرفة أمه العجوز ؛ ليطمئنَ عليها...


ومازالتْ أمه العجوز حزينة ؛ لفقد حفيدها


الوحيد ، وما إنْ رأتْ إبراهيم ، حتى أمسكتْ


بيده ، قائلة له :


يا ولدى أنتَ فى منتصف الخمسين ، وتستطيعُ


الإنجابَ لو تزوَّجتَ امرأة مطلقة أو أرملة


تناسبُ عمركَ ، بعد أنْ عقمتْ زوجتُكَ ...


ردَّ إبراهيمُ حائراً :


وهل أتركُ زوجتى وحيدة للأحزان ؟


فعقَّبتْ أمه تحاولُ إقناعَه :


لم أطلبْ منكَ أنْ تطلِّقَ زوجتكَ


ولكنى قد جاوزتُ السبعين ياولدى


ولم يعدْ لى غير أيامٍ معدودةٍ بالحياة


وأريدُ أن أرى لكَ ولداً


وكم أتمنى لو تسميه يوسف أيضاً


وبينما دمعتْ عينا إبراهيم إذا بزوجته ، وقد


سمعتْ حواره مع أمه الذى كان بصوتٍ عالٍ


وقالتْ زوجته دون الالتفات لأمه :


إنْ أردتَ الزواجَ فطلقنى


فلن أعيشَ مع ضُرَّةٍ


وليس لى الآن فى الدنيا من مطلبٍ


ووقفَ الحاج إبراهيم حائراً بين طلب أمه


ورد فعل زوجته...واحتار كيف يتصرَّفُ ؟ !


ثمَّ دخل غرفة ولده الفقيد ، وأخذ يناجى روحه


باكياً ، ويدعو الله أنْ يرفعَ عنه البلاءَ


وأن يلهمَه الرأى الصواب ....


تمت بحمد الله

بقلمى

سمير البولاقى

شاطئ الإسكندرية
الثلاثاء
14يوليو2009



ملحوظة : أرجو من الأخوة الذين ينقلون قصصى الى المواقع الأخرى ، بأن يكتبوا أسفلها كلمة ( منقول ) منعا للإحراج ، لأنى أتابع قصصى فى كل المواقع ، وكل قصصى مثبتة بكل الطرق القانونية ، ولهم الشكر....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق