الاثنين، 22 أكتوبر 2012

الغناء حلال ( والرد على من حرمه )

بداية اسمحوا لى بأن أقول بأننى ترددتُ كثيراً للكتابة فى ذلك الموضوع ، ولكننى بعد أن رأيتُ أمتى العربية أصبح لايشغلها إلا تحريم الغناء ، وتناسوا مشاكل كثيرة منها : غياب الضمير ، واحتكار الأموال بين القليلين ، والتخلف العلمى ، والأمية الفكرية ، لكنى فضلتُ بأن أنقل آراء العلماء بدون تدخلٍ منى ؛ ومن حق البعض أن يرفضها ، وأن يؤمن بالرأى المخالف ، وهذا عرض وتبيان لما قاله بعض العلماء فى الرد على من حرَّم الغناء :


أدلة المحرمين للغناء ومناقشتها
( أ ) استدل المحرمون بما روى عن ابن مسعود وابن عباس وبعض التابعين : أنهم حرموا الغناء محتجين بقول الله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً , أولئك لهم عذاب مهين ) وفسروا لهو الحديث بالغناء .
قال ابن حزم : ولا حجة في هذا لوجوه :
أحدها : أنه لا حجه لأحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والثاني : أنه قد خالف غيرهم من الصحابة والتابعين .
والثالث : أن نص الآية يبطل احتجاجهم بها ! لأن فيها : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا ) وهذه صفة من فعلها كان كافراً بلا خلاف , إذا اتخذ سبيل الله هزواً . قال :
« ولو أن امرءاً اشترى مصحفا ليضل به عن سبيل الله , ويتخذه هزواً , لكان كافراً ؛ فهذا هو الذي ذم الله تعالى , وما ذم قط - عز وجل - من اشترى لهو الحديث ليتلهى به ويروح نفسه , لا ليضل عن سبيل الله تعالى . فبطل تعلقهم بقول هؤلاء , وكذلك من اشتغل عامداً عن الصلاة بقراءة القرآن , أو بقراءة السنن , أو بحديث يتحدث به , أو بغناء أو بغير ذلك , فهو فاسق عاص لله تعالى, ومن لم يضيع شيئا من الفرائض اشتغالا بما ذكرنا فهو محسن » .
( ب ) واستدلوا بقوله تعالى في مدح المؤمنين : ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ) , والغناء من اللغو فوجب الإعراض عنه .
ويجاب بأن الظاهر من الآية أن اللغو : سفه القول من السب والشتم ونحو ذلك , وبقية الآية تنطق بذلك . قال تعالى : ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) , فهي شبيهة بقوله تعالى في وصف عباد الرحمن : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) .
ولو سلمنا أن اللغو في الآية يشمل الغناء لوجدنا الآية تستحب الإعراض عن سماعه وتمدحه , وليس فيها ما يوجب ذلك .
وكلمة « اللغو » ككلمة « الباطل » تعنى ما لا فائدة فيه , وسماع ما لا فائدة فيه ليس محرماً ما لم يضيع حقا , أو يشغل من واجب .
روى عن ابن جريج : أنه كان يرخص في السماع فقيل له : أيؤتى به يوم القيامة في جملة حسناتك أو سيئاتك ؟ فقال : لا في الحسنات ولا في السيئات : لأنه شبيه باللغو , قال تعالى : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) .
قال الإمام الغزالي : « إذا كان ذكر اسم الله تعالى على الشيء على طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم , والمخالفة فيه - مع أنه لا فائدة فيه - لا يؤاخذ به , فكيف يؤاخذ بالشعر والرقص » ؟! .
على أننا نقول : ليس كل غناء لغواً : إنه يأخذ حكمه وفق نية صاحبه , فالنية الصالحة تحيل اللهو قربة , والمزح طاعة , والنية الخبيثة تحبط العمل الذي ظاهره العبادة وباطنه الرياء : « إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم » .
وننقل هنا كلمة جيدة قالها ابن حزم في « المحلى » رداً على الذين يمنعون الغناء قال : « احتجوا فقالوا : من الحق الغناء أم من غير الحق ؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث , وقد قال الله تعالى : ( فماذا بعد الحق إلا الضلال ) فجوابنا - وبالله التوفيق - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى » فمن نوى باستماع الغناء عونا على معصية الله فهو فاسق , وكذلك كل شئ غير الغناء , ومن نوى به ترويح نفسه , ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل , وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن , وفعله هذا من الحق . ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه , كخروج الإنسان إلى بستانه , وقعوده على باب داره متفرجا , وصبغه ثوبه لازوردياً أو أخضر أو غير ذلك , ومد ساقه وقبضها , وسائر أفعاله .
( جـ ) واستدلوا بالحديث : « كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة : ملاعبة الرجل أهله , وتأديبه فرسه , ورميه عن قوسه » ( رواه أصحاب السلف الأربعة , وفيه اضطراب ) . . والغناء خارج عن هذه الثلاثة .
وأجاب المجوزون بضعف الحديث , ولو صح لما كان فيه حجة , فإن قوله : « فهو باطل » لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة . فقد ورد عن أبى الدرداء قوله : « إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل ليكون أقوى لها على الحق . على أن الحصر في الثلاثة غير مراد , فإن التلهي بالنظر إلى الحبشة وهم يرقصون في المسجد النبوي خارج عن تلك الأمور الثلاثة , وقد ثبت في الصحيح . ولا شك أن التفرج في البساتين وسماع أصوات الطيور , وأنواع المداعبات مما يلهو به الرجل , لا يحرم عليه شئ منها وان جاز وصفه بأنه باطل .
( د ) واستدلوا بالحديث الذي رواه البخاري - معلقا - عن أبى مالك أو أبى عامر الأشعري - شك من الراوي - عن النبي عليه الصلاة والسلام قال : « ليكونن قوم من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف » . والمعازف : الملاهي, أو آلات العزف .
والحديث وان كان في صحيح البخاري , إلا أنه من « المعلقات » لا من « السندات المتصلة » ولذلك رده ابن حزم لانقطاع سنده , ومع التعليق فقد قالوا : إن سنده ومتنه لم يسلما من الاضطراب .
وقد اجتهد الحافظ ابن حجر لوصل الحديث , ووصله بالفعل من تسع لحرق , ولكنها جميعا تدور على راو تكلم فيه عدد من الأئمة النقاد , ألا وهو : هشام ابن عمار . وهو - وان كان خطيب دمشق ومقرئها ومحدثها وعالمها , ووثقه ابن معين والعجلى - فقد قال عنه أبو داود : حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها .
وقال أبو حاتم : صدوق وقد تغير , فكان كل ما دفع إليه قرأه , وكل ما لقنه تلقن . وكذلك قال ابن سيار .
وقال الإمام أحمد : طياش خفيف .
وقال النسائي : لا بأس به ( وهذا ليس بتوثيق مطلق ) .
ورغم دفاع الحافظ الذهبي عنه قال : صدوق مكثر له ما ينكر. وأنكروا عليه أنه لم يكن يحدث إلا بأجر !
ومثل هذا لا يقبل حديثه في مواطن النزاع , وخصوصا في أمر عمت به البلوى .
ورغم ما في ثبوته من الكلام , ففي دلالته كلام آخر ! فكلمة « المعازف » لم يتفق على معناها بالتحديد : ما هو ؟ فقد قيل : الملاهي , وهذه مجملة , وقيل : آلات العزف .
ولو سلمنا بأن معناها : آلات الطرب المعروفة بآلات الموسيقى . فلفظ الحديث المعلق في البخاري غير صريح في إفادة حرمة « العازف » لأن عبارة « يستحلون » كما ذكر ابن العربي لها معنيان : أحدهما : يعتقدون أن ذلك حلال , والثاني : أن تكون مجازاً عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور ! إذ لو كان المقصود بالاستحلال : المعنى الحقيقي , لكان كفراً , فإن استحلال الحرام المقطوع به - مثل الخمر والزنى المعبر عنه ب « الحر » - كفر بالإجماع .
ولو سلمنا بدلالتها على الحرمة , فهل يستفاد منها تحريم المجموع المذكور من الحر والحرير والخمر والمعازف , أو كل فرد منها على حدة ؟ والأول هو الراجح . فإن الحديث في الواقع ينعى على أخلاق طائفة من الناس : انغمسوا في الترف والليالي الحمراء , وشرب الخمور . فهم بين خمر ونسا ء , ولهو وغناء , وخز وحرير . ولذا روى ابن ماجه هذا الحديث عن أبى مالك الأشعري بلفظ : « ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها , يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات , يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير » , وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه , والبخاري في تاريخه .
وكل من روى الحديث من طريق غير طريق هشام بن عمار , جعل الوعيد على شرب الخمر , وما المعازف إلا مكملة وتابعة .
( هـ ) واستدلوا بحديث عائشة : « إن الله تعالى حرم القينة ( أي الجارية ) وبيعها وثمنها , وتعليمها » .
والجواب عن ذلك :
أولا : أن الحديث ضعيف , وكل ما جاء في تحريم بيع القيان ضعيف .
ثانيا : قال الغزالي : المراد بالقينة الجارية التي تغني للرجال في مجلس الشرب , وغناء الأجنبية للفساق ومن يخاف عليهم الفتنة حرام , وهم لا يقصدون بالفتنة إلا ما هو محذور . فأما غناء الجارية لمالكها , فلا يفهم تحريمه من هذا الحديث . بل لغير مالكها سماعها عند عدم الفتنة , بدليل ما روى في الصحيحين من غناء الجاريتين في بيت عائشة رضى الله تعالى عنها, وسيأتي .
ثالثا : كان هؤلاء القيان المغنيات يكون عنصراًَ هاماً من نظام الرقيق , الذي جاء الإسلام بتصفيته تدريجيا , فلم يكن يتفق وهذه الحكمة : إقرار بقا ء هذه الطبقة في المجتمع الإسلامي , فإذا جاء حديث بالنعي على امتلاك « القينة » وبيعها , والمنع منه , فذلك لهدم ركن من بناء « نظام الرق » العتيد .
( و ) واستدلوا بما روى نافع : أن ابن عمر سمع صوت زمارة راع فوضع إصبعيه في أذنيه , وعدل راحلته عن الطريق , وهو يقول : يا نافع , أتسمع ؟ فأقول : نعم , فيمضى , حتى قلت : لا . فرفع يده وعدل راحلته إلى الطريق وقال : « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع زمارة راع فصنع مثل هذا ( رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ) .
والحديث قال عنه أبو داود : حديث منكر .
ولو صح لكان حجة على المحرمين لا لهم . فلو كان سماع المزمار حراما ما أباح النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر سماعه , ولو كان عند ابن عمر حراما ما أباح لنافع سماعه , ولأمر عليه السلام بمنع وتغيير هذا المنكر , فإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر دليل على أنه حلال .
وإنما تجنب - عليه السلام - سماعه كتجنبه أكثر المباح من أمور الدنيا كتجنبه الأكل متكئا وأن يبيت عنده دينار أو درهم . . . . الخ .
( ز ) واستدلوا أيضا بما روى : « إن الغناء ينبت النفاق في القلب » ولم يثبت هذا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم , وإنما ثبت قولا لبعض الصحابة أو التابعين , فهو رأى لغير معصوم خالفه فيه غيره . فمن الناس من قال - وبخاصة الصوفية - : إن الغناء يرقق القلب , ويبعث الحزن والندم على المعصية , ويهيج الشوق إلى الله تعالى , ولهذا اتخذوه وسيلة لتجدد نفوسهم , وتنشيط عزائمهم , وإثارة أشواقهم . قالوا : وهذا أمر لا يعرف إلا بالذوق والتجربة والممارسة , ومن ذاق عرف , وليس الخبر كالعيان .ا
على أن الإمام الغزالي جعل حكم هذه الكلمة بالنسبة للمغني لا للسامع , إذ كان غرض المغني أن يعرض نفسه على غيره , ويروج صوته عليه , ولا يزال ينافق ويتودد إلى الناس ليرغبوا في غنائه . ومع هذا قال الغزالي : وذلك لا يوجب تحريما , فإن لبس الثياب الجميلة , وركوب الخيل المهملجة , وسائر أنواع الزينة , والتفاخر بالحرث والأنعام والزرع وغير ذلك , ينبت النفاق في القلب , ولا يطلق القول بتحريم ذلك كله , فليس السبب في ظهور النفاق في القلب : المعاصي , بل إن المباحات , التي هي مواقع نظر الخلق , أكثر تأثيرا.
( ح ) واستدلوا على تحريم غناء المرأة خاصة , بما شاع عند بعض الناس من أن صوت المرأة عورة . وليس هناك دليل ولا شبه دليل من دين الله على أن صوت المرأة عورة , وقد كان النساء يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ملأ من أصحابه , وكان الصحابة يذهبون إلى أمهات المؤمنين ويستفتونهن ويفتينهم ويحدثنهم , ولم يقل أحد : إن هذا من عائشة أو غيرها كشف لعورة يجب أن تستر . مع أن نساء النبي عليهن من التغليظ ما ليس على غيرهن . وقال تعالى : ( وقلن قولا معروفا ).
فإن قالوا : هذا في الحديث العادي لا في الغناء , قلنا : روى الصحيحان أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع غناء الجاريتين ولم ينكر عليهما , وقال لأبى بكر : دعهما . وقد سمع ابن جعفر وغيره من الصحابة والتابعين الجواري يغنين .
( ط ) واستدلوا بحديث الترمذي عن علي مرفوعاً : « إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة , هل بها البلاء » , وذكر منها : « واتخذت القينات والمعازف » , والحديث متفق على ضعفه , فلا حجة فيه .
والخلاصة : أن النصوص التي استدل بها القائلون بالتحريم إما صحيح غير صريح , أو صريح غير صحيح . ولم يسلم حديث واحد مرفوع إلى رسول الله يصلح دليلاً للتحريم , وكل أحاديثهم ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية .
قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب « الأحكام » : لم يصح في التحريم شئ .
وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة .
وقال ابن طاهر في كتابه في « السماع » : لم يصح منها حرف واحد .
وقال ابن حزم : ولا يصح في هذا الباب شئ , وكل ما فيه فموضوع . ووالله لو أسند جميعه , أو واحد منه فاكثر , من طريق الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , لما ترددنا في الأخذ به .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق